الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

لما كان الاجتماع للرسول في الأمور يقع بعدَ دَعوته الناس للاجتماع وقد أمرهم الله أن لا ينصرفوا عن مجامع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا لعذر بعد إذنه أنبأهم بهذه الآية وجوب استجابة دعوة الرسول إذا دعاهم. وقد تقدم قوله تعالىيا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم } في سورة الأنفال 24. والمعنى لا تجعلوا دعوة الرسول إياكم للحضور لديه مخيَّرين في استجابتها كما تتخيرون في استجابة دعوة بعضكم بعضاً، فوجه الشبه المنفي بين الدعوتين هو الخيار في الإجابة. والغرض من هذه الجملة أن لا يتوهموا أن الواجب هو الثبات في مجامع الرسول إذا حضروها، وأنهم في حضورها إذا دُعوا إليها بالخيار، فالدعاء على هذا التأويل مصدر دعاه إذا ناداه أو أرسل إليه ليحضر. وإضافة { دعاء } إلى { الرسول } من إضافة المصدر إلى فاعله. ويجوز أن تكون إضافة { دعاء } من إضافة المصدر إلى مفعوله والفاعل المقدر ضمير المخاطبين. والتقدير لا تجعلوا دعاءكم الرسولَ، فالمعنى نهيهم. ووقع الالتفات من الغيبة إلى خطاب المسلمين حثّاً على تلقي الجملة بنشاط فهمٍ، فالخطاب للمؤمنين الذين تحدث عنهم بقولهإنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله } النور 62 وقولهإن الذين يستأذنونك } النور 62 الخ. نُهوا عن أن يدْعوا الرسول عند مناداته كما يدعو بعضهم بعضاً في اللفظ أو في الهيئة. فأما في اللفظ فبأن لا يقولوا يا محمد، أو يا ابن عبد الله، أو يا ابن عبد المطلب، ولكن يا رسول الله، أو يا نبيء الله، أو بكنيته يا أبا القاسم. وأما في الهيئة فبأن لا يدعُوه من وراء الحجرات، وأن لا يُلحوا في دعائه إذا لم يخرج إليهم، كما جاء في سورة الحجرات. لأن ذلك كله من الجلافة التي لا تليق بعظمة قدر الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا أدب للمسلمين وسدّ لأبواب الأذى عن المنافقين. وإذ كانت الآية تحتمل ألفاظُها هذا المعنى صح للمتدبر أن ينتزع هذا المعنى منها إذ يكفي أن يأخذ من لاح له معنى ما لاح له. و { بينكم } ظرف إما لغو متعلق بـ { تجعلوا } ، أو مستقِرّ صفة لـ { دعاء } ، أي دعاءه في كلامكم. وفائدة ذكره على كلا الوجهين التعريض بالمنافقين الذين تمالؤوا بينهم على التخلف عن رسول الله إذا دعاهم كلما وجدوا لذلك سبيلاً كما أشار إليه قوله تعالىما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله } التوبة 120. فالمعنى. لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كما جعل المنافقون بينهم وتواطأوا على ذلك. وهذه الجملة معترضة بين جملةإنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله } النور 62 وما تبعها وبين جملة { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً }. وجملة { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً } استئناف تهديد للذين كانوا سبب نزول آية

السابقالتالي
2