الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }

عطف على جملةلولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون } النور 12 إلخ. وأعيدت لولا وشرطها وجوابها لزيادة الاهتمام بالجملة فلذلك لم يعطف { قلتم } الذي في هذه الجملة على { قلتم } الذي في الجملة قبلها لقصد أن يكون صريحاً في عطف الجمل. وتقديم الظرف وهو { إذ سمعتموه } على عامله وهو { قلتم ما يكون لنا } كتقديم نظيره في قولهلولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون } النور 12 إلخ وهو الاهتمام بمدلول الظرف. وضمير { سمعتموه } عائد إلى الإفك مثل الضمائر المماثلة له في الآيات السابقة. واسم الإشارة عائد إلى الإفك بما يشتمل عليه من الاختلاق الذي يتحدث به المنافقون والضعفاء، فالإشارة إلى ما هو حاضر في كل مجلس من مجالس سماع الإفك. ومعنى { قلتم ما يكون لنا } أن يقولوا للذين أخبروهم بهذا الخبر الآفك. أي قلتم لهم زجراً وموعظة. وضمير { لنا } مراد به القائلون والمخاطبون. فأما المخاطبون فلأنهم تكلموا به حين حدثوهم بخبر الإفك. والمعنى ما يكون لكم أن تتكلموا بهذا، وأما المتكلمون فلتنزههم من أن يجري ذلك البهتان على ألسنتهم. وإنما قال { ما يكون لنا أن نتكلم بهذا } دون أن يقول ليس لنا أن نتكلم بهذا، للتنبيه على أن الكلام في هذا وكينونة الخوض فيه حقيق بالانتفاء. وذلك أن قولك ما يكون لي أن أفعل، أشد في نفي الفعل عنك من قولك ليس لي أن أفعل. ومنه قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلامقال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق } المائدة 116. وهذا مسوق للتوبيخ على تناقلهم الخبر الكاذب وكان الشأن أن يقول القائل في نفسه ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، ويقول ذلك لمن يجالسه ويسمعه منه. فهذا زيادة على التوبيخ على السكوت عليه في قوله تعالىوقالوا هذا إفك مبين } النور 12. و { سبحانك } جملة إنشاء وقعت معترضة بين جملة { ما يكون لنا أن نتكلم بهذا } وجملة { هذا بهتان عظيم }. و { سبحانك } مصدر وقع بدلاً من فعله، أي نسبح سبحاناً لك. وإضافته إلى ضمير الخطاب من إضافة المصدر إلى مفعوله، وهو هنا مستعار للتعجب كما تقدم عند قوله تعالىسبحان الذي أسرى بعبده ليلاً } الإسراء 1 وقولهوسبحان الله وما أنا من المشركين } في سورة يوسف 108. والأحسن أن يكون هنا لإعلان المتكلم البراءة من شيء بتمثيل حال نفسه بحال من يشهد الله على ما يقول فيبتدىء بخطاب الله بتعظيمه ثم بقول { هذا بهتان عظيم } تبرّئاً من لازم ذلك وهو مبالغة في إنكار الشيء والتعجب من وقوعه. وتوجيه الخطاب إلى الله في قوله { سبحانك } للإشعار بأن الله غاضب على من يخوض في ذلك فعليهم أن يتوجهوا لله بالتوبة منه لمن خاضوا فيه وبالاحتراز من المشاركة فيه لمن لم يخوضوا فيه.

السابقالتالي
2