الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

أتبع الاستدلال على إثبات الوحدانية لله تعالى بالاستدلال على انتفاء الشركاء له في الإلهية. وقدمت النتيجة على القياس لتجعل هي المطلوب فإن النتيجة والمطلوب متحدان في المعنى مختلفان بالاعتبار، فهي باعتبار حصولها عقب القياس تسمى نتيجة، وباعتبار كونها دعوى مقام عليها الدليل وهو القياس تسمى مطلوباً كما في علم المنطق. ولتقديمها نكتة أن هذا المطلوب واضح النهوض لا يفتقر إلى دليل إلا لزيادة الاطمئنان فقوله { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إلٰه } هو المطلوب وقوله { إذاً لذهب كل إلٰه بما خلق } إلى آخر الآية هو الدليل. وتقديم هذا المطلوب على الدليل أغنى عن التصريح بالنتيجة عقب الدليل. وذكر نفي الولد استقصاء للرد على مختلف عقائد أهل الشرك من العرب فإن منهم من توهم أنه ارتقى عن عبادة الأصنام فعبدوا الملائكة وقالوا هم بنات الله. وإنما قدم نفي الولد على نفي الشريك مع أن أكثر المشركين عبدة أصنام لا عبدة الملائكة نظراً إلى أن شبهة عبدة الملائكة أقوى من شبهة عبدة الأصنام لأن الملائكة غير مشاهدين فليست دلائل الحدوث بادية عليهم كالأصنام، ولأن الذين زعموهم بنات الله أقرب للتمويه من الذين زعموا الحجارة شركاء لله، وقد أشرنا إلى ذلك آنفاً عند قوله تعالىقل من رب السماوات السبع } المؤمنون 86 الآية. وإذن حرف جواب وجزاء لكلام قبلها ملفوظ أو مقدر. والكلام المجاب هنا هو ما تضمنه قوله { وما كان معه من إلٰه } فالجواب ضد ذلك النفي. وإذ قد كان هذا الضد أمراً مستحيل الوقوع تعين أن يقدر له شرط على وجه الفرض والتقدير، والحرف المعد لمثل هذا الشرط هو لو الامتناعية، فالتقدير ولو كان معه إله لذهب كل إله بما خلق. وبقاء اللام في صدر الكلام الواقع بعد إذن دليل على أن المقدر شرط لو لأن اللام تلزم جواب لو ولأن غالب مواقع إذن أن تكون جواب لو فلذلك جاز حذف الشرط هنا لظهور تقديره. وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالىإنكم إذن مثلهم } في سورة النساء 140. فقوله { إذن لذهب كل إلٰه بما خلق } استدلال على امتناع أن يكون مع الله آلهة. وإنما لم يستدل على امتناع أن يتخذ الله ولداً لأن الاستدلال على ما بعده مغن عنه لأن ما بعده أعم منه وانتفاء الأعم يقتضي انتفاء الأخص فإنه لو كان لله ولد لكان الأولاد آلهة لأن ولد كل موجود إنما يتكون على مثل ماهية أصله كما دل عليه قوله تعالىقل إن كان للرحمٰن ولد فأنا أول العابدين } الزخرف 81 أي له. والذهاب في قوله { لذهب كل إلٰه } مستعار للاستقلال بالمذهوب به وعدم مشاركة غيره له فيه.

السابقالتالي
2 3