الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ }

يجوز أن تكون الواو عاطفة على جملةيا أيها الرسل كلوا من الطيبات } المؤمنون 51 الخ، فيكون هذا مما قيل للرسل. والتقدير وقلنا لهم { إن هذه أمتكم أمة واحدة } الآية. ويجوز أن تكون عطفاً على قصص الإرسال المبدوءة من قولهولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } المؤمنون 23 لأن تلك القصص إنما قصت عليهم ليهتدوا بها إلى أن شأن الرسل منذ ابتداء الرسالة هو الدعوة إلى توحيد الله بالإلهيَّة. وعلى هذا الوجه يكون سياقها كسياق آية سورة الأنبياء 92إن هذه أمتكم أمة واحدة } الآية. وفي هذه الآية ثلاث قراءات بخلاف آية سورة الأنبياء. فتلك اتفق القراء على قراءتها بكسر همزة إن. فأما هذه الآية فقرأ الجمهور { وأنّ } بفتح الهمزة وتشديد النون، فيجوز أن تكون خطاباً للرسل وأن تكون خطاباً للمقصودين بالنذارة على الوجهين وفتح الهمزة بتقدير لام كي متعلقة بقوله { فاتقون } عند من لا يرى وجود الفاء فيه مانعاً من تقديم معموله، أو متعلقة بمحذوف دل عليه { فاتقون } عند من يمنع تقديم المعمول على العامل المقترن بالفاء، كما تقدم في قوله تعالىفإياي فارهبون } في سورة النحل 51. والمعنى عليه ولكون دينكم ديناً واحداً لا يتعدد فيه المعبود. وكوني ربكم فاتَّقون ولا تشركوا بي غيري، خطاباً للرسل والمراد أممهم. أو خطاباً لمن خاطبهم القرآن. وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلف بكسر همزة إنّ وتشديد النون، فكسر همزة إن إما لأنها واقعة في حكاية القول على الوجه الأول، وإمَّا لأنها مستأنفة على الوجه الثاني. والمعنى كما تقدم في معنى قراءة الجمهور. وقرأ ابن عامر بفتح الهمزة وتخفيف النون على أنها مخففة من أنّ المفتوحة واسمها ضمير شأن محذوف وخبرها الجملة التي بعدها. ومعناه كمعنى قراءة الجمهور سواء. واسم الإشارة مراد به شريعة كل من الأنبياء أو شريعة الإسلام على الوجهين في المخاطب بهذه الآية. وتأكيد الكلام بحرف إن على القراءات كلها للرد على المشركين من أمم الرسل أو المشركين المخاطبين بالقرآن. وتقدم تفسير نظيرها في سورة الأنبياء، إلا أن الواقع هنا { فاتقون } وهناكفاعبدون } الأنبياء 92 فيجوز أن الله أمرهم بالعبادة وبالتقوى ولكن حكى في كل سورة أمراً من الأمرين، ويجوز أن يكون الأمران وقعا في خطاب واحد، فاقتصر على بعضه في سورة الأنبياء وذكر معظمه في سورة المؤمنين بحسب ما اقتضاه مقام الحكاية في كلتا السورتين. ويحتمل أن يكون كل أمر من الأمرين الأمر بالعبادة والأمر بالتقوى. قد وقع في خطاب مستقل تماثَل بعضُه وزاد الآخر عليه بحسب ما اقتضاه مقام الخطاب من قصد إبلاغه للأمم كما في سورة الأنبياء، أو من قصد اختصاص الرسل كما في سورة المؤمنين. ويرجح هذا أنه قد ذكر في سورة المؤمنين خطاب الرسل بالصراحة.

السابقالتالي
2