الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ ٱنْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } * { قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ }

استئناف بياني لأن ما حكي من صد الملإ الناس عند اتباعه وإشاعتهم عنه أنه مفتر على الله وتلفيقهم الحجج الباطلة على ذلك مما يثير سؤال سائل عما كان من شأنه وشأنهم بعد ذلك، فيجاب بأنه توجه إلى الله الذي أرسله بالدعاء بأن ينصره عليهم. وتقدم القول في نظيره آنفاً في قصة نوح. وجاء جواب دعاء هذا الرسول غير معطوف لأنه جرى على أسلوب حكاية المحاورات الذي بيَّناه في مواضع منها قولهقَالُوا أتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها } في سورة البقرة 30. { وعَمَّا قَليلٍ } أفاد حرف عن المجاوزة، أي مجاوزة معنى مُتعلَّقها الاسمَ المجرور بها. ويكثر أن تفيد مجاوزة معنى متعلّقها الاسم المجرور بها فينشأ منها معنى بَعْد نحولَتَرْكَبُنّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ } الانشقاق 19 فيقال إنها تجيء بمعنى بَعْد كما ذكره النحاة وهم جروا على الظاهر وتفسير المعنى إذ لا يكون حرف بمعنى اسم، فإن معاني الحروف ناقصة ومعاني الأسماء تامة. فمعنى { عما قليل ليصبحن نادمين } أن إصباحهم نادمين يتجاوز زمناً قليلاً أي من زمان التكلم وهو تجاوز مجازي بحرف عن مستعار لمعنى بَعْد استعارة تبعيَّة. و { ما } زائدة للتوكيد. و { قليل } صفة لموصوف محذوف دل عليه السياق أو فعل الإصباح الذي هو من أفعال الزمن فوعد الله هذا الرسول نصراً عاجلاً. وندمهم يكون عند رؤية مبدأ الاستئصال ولا ينفعهم ندمهم بعد حلول العذاب. والإصباح هنا مراد به زمن الصباح لا معنى الصيرورة بدليل قوله في سورة الحجر 83فأخذتهم الصيحة مصبحين }