الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ }

هذا العطف مثل عطف جملةوأنزلنا من السماء } المؤمنون 18 ففيه كذلك استدلال ومنة. والعبْرة الدليل لأنه يُعبر من مَعرفته إلى معرفة أخرى. والمعنى إن في الأنعام دليلاً على انفراد الله تعالى بالخلق وتمام القدرة وسعة العلم. والأنعام تقدم أنها الإبل في غالب عرف العرب. وجملة { نسقيكم مما في بطونها } بيان لجملة { وإن لكم في الأنعام لعبرة } فلذلك لم تعطف لأنها في موقع المعطوف عطف البيان. والعبرة حاصلة من تكوين ما في بطونها من الألبان الدال عليه { نسقيكم }. وأما { نسقيكم } بمجردة فهو منة. وقد تقدم نظير هذه الآية مفصلاً في سورة النحل 66. وجملة { ولكم فيها منافع كثيرة } وما بعدها معطوفة على جملة { نسقيكم مما في بطونها } فإن فيه بقية بيان العبرة وكذلك الجُمل بعده. وهذه المنافع هي الأصواف والأوبار والأشعار والنَّتاج. وأما الأكل منها فهو عبرة أيضاً إذ أعدها الله صالحة لتغذية البشر بلحومها لذيذة الطعم، وألهم إلى طريقة شَيِّهَا وصلقها وطبخها، وفي ذلك منة عظيمة ظاهرة. وكذلك القول في معنى { وعليها.. تحملون } فإن في ذلك عبرة بإعداد الله تعالى إياها لذلك وفي ذلك منة ظاهرة، والحمل صادق بالركوب وبحمل الأثقال. وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بفتح النون، وقرأه الباقون عدا أبا جعْفر ــــ بضم النون ــــ يقال سقاه وأسقاه بمعنى، وقرأه أبو جعفر بتاء التأنيث مفتوحة على أن الضمير للأنعام. وعَطف { وعلى الفلك } إدماج وتهيئة للتخلص إلى قصة نوح.