الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } * { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ }

مناسبة عطف إنزال ماء المطر على جملةولقد خلقنا فوقكم سبع طرايق } المؤمنون 17 أن ماء المطر ينزل من صوب السماء، أي من جهة السماء. وفي إنزال ماء المطر دلالة على سعة العلم ودقيق القدرة، وفي ذلك أيضاً منة على الخلق فالكلام اعتبارٌ وامتنان من قوله { فأنشأنا لكم به جنات } إلى آخره. ومعنى هذه الآية تقدّم في سورة الأنعام وسورة الرعد وسورة النحل. وإنزال الماء هو إسقاطه من السحب ماءً وثَلجاً وبَرَداً على السهول والجبال. والقدَر هنا التقدير والتعيين للمقدار في الكَمّ وفي النَّوبة، فيصح أن يحمل على صريحه، أي بمقدار معيَّن مُناسب للإنعام به لأنه إذا أنزل كذلك حصل به الري والتعاقب، وكذلكَ ذَوَبان الثلوج النازلة. ويصح أن يقصد مع ذلك الكناية عن الضبط والإتقان. وليس المراد بالقَدَر هنا المعنى الذي في قول النبي صلى الله عليه وسلم " وتؤمن بالقَدر خيرِه وشره ". والإسكان جعل الشيء في مسكن، والمسكن محل القرار، وهو مفعل اسم مكان مشتق من السكون. وأطلق الإسكان على الإقرار في الأرض على طريق الاستعارة. وهذا الإقرار على نوعين إقرار قصير مثل إقرار ماء المطر في القشرة الظاهرة من الأرض عقب نزول الأمطار على حسب ما تقتضيه غزارة المطر ورخاوة الأرض وشدةُ الحرارة أو شدةُ البرد، وهو ما ينبت به النبات في الحرث والبقل في الربيع وتمتص منه الأشجار بعروقها فتثمر إثمارها وتخرج به عروق الأشجار وأصولها من البزور التي في الأرض. ونوع آخر هو إقرار طويل وهو إقرار المياه التي تنزل من المطر وعن ذوب الثلوج النازلة فتتسرب إلى دواخل الأرض فتنشأ منها العيون التي تنبع بنفسها أو تُفَجَّر بالحفر آباراً. وجملة { وإنا على ذهاب به لقادرون } معتَرضة بين الجملة وما تفرع عليها. وفي هذا تذكير بأن قدرة الله تعالى صالحة للإيجاد والإعدام وتنكير { ذهاب } للتفخيممِ والتعظيم. ومعنى التعظيم هنا تعدد أحوال الذهاب به من تغويره إلى أعماق الأرض بانشقاق الأرض بزلزال ونحوه، ومن تجفيفه بشدة الحرارة، ومن إمساك إنزاله زمناً طويلاً. وفي معناه قوله تعالىقل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمَن يأتيكم بماء معين } الملك 30، وفي «الكشاف» «وهو أي ما في هاته الآية أبلغ في الإيعاد من قولهقل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غَوراً فمن يأتيكم بماء معين } الملك 30 اهــــ. فبيَّن صاحب «التقريب» للأبلغيَّة ثمانية عشر وجهاً الأول أن ذلك على الفرض والتقدير وهذا على الجزم على معنى أنه أدل على تحقيق ما أوعد به وإن لم يقع. الثاني التوكيد بــــإنّ. الثَّالث اللام في الخبر. الرابع أن هذه في مطلق الماء المنزل من السماء وتلك في ماء مضاف إليهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7