الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ }

لما كان أعظم ما دعا الله إليه توحيده وكان أصل ضلال المشركين إشراكهم أعقب وصف الله بالعلو العظيم والقدرة الواسعة ببيان أن الحساب الواقع بعد البعث ينال الذين دعَوا مع الله آلهة دعوى لا عذر لهم فيها لأنها عرية عن البرهان أي الدليل، لأنهم لم يثبتوا لله المُلك الكامل إذ أشركوا معه آلهة ولم يثبتوا ما يقتضي له عظيم التصرف إذ أشركوا معه تصرف آلهة. فقوله { لا برهان له به } حال من { من يدع مع الله إلهاً آخر } ، وهي حال لازمة لأن دعوى الإله مع الله لا تكون إلا عرية عن البرهان ونظير هذا الحال قوله تعالىومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } القصص 50. والقصر في قوله { فإنما حسابه عند ربه } قصر حقيقي. وفيه إثبات الحساب وأنه لله وحده مبالغة في تخطئتهم وتهديدهم. ويجوز أن يكون القصر إضافياً تطمينا للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الله لا يؤاخذه باستمرارهم على الكفر كقولهإن عليك إلا البلاغ } الشورى 48 وقولهلعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } الشعراء 3 وهذا أسعد بقوله بعدهوقل رب اغفر وارحم } المؤمنون 118. ويدل على ذلك تذييله بجملة { إنه لا يفلح الكافرون }. وفيه ضرب من رد العجز على الصدر إذ افتتحت السورة بــــقد أفلح المؤمنون } المؤمنون 1 وختمت بــــ { إنه لا يفلح الكافرون } وهو نفي الفلاح عن الكافرين ضد المؤمنين.