الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ }

تفريع على قولهإلى يوم يبعثون } المؤمنون 100 فإن زمن النفخ في الصور هو يوم البعث فالتقدير فإذا جاء يوم يبعثون، ولكن عدل عن ذلك إلى { فإذا نفخ في الصور } تصوير لحالة يوم البعث. والصور البوق الذي ينفخ فيه النافخ للتجمع والنفير، وهو مما ينادى به للحرب وينادى به للصلاة عند اليهود كما جاء في حديث بدء الأذان من «صحيح البخاري». وتقدم ذكر الصور عند قوله تعالىوله الملك يوم ينفخ في الصور } في سورة الأنعام 73. وأسند { نُفِخ } إلى المجهول لأن المعتنى به هو حدوث النفخ لا تعيين النافخ. وإنما يُنفخ فيه بأمر تكوين من الله تعالى، أو ينفخ فيه أحد الملائكة وقد ورد أنه الملك إسرافيل. والمقصود التفريع الثاني في قوله { فمن ثقلت موازينه } إلى آخره لأنه مناط بيان الرد على قول قائلهمرب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } المؤمنون 99، 100 المردود إجمالاً بقوله تعالىكلا إنها كلمة هو قائلها } المؤمنون 100 فقدم عليه ما هو كالتمهيد له وهو قوله { فلا أنساب بينهم } إلى آخره مبادرة بتأييسهم من أن تنفعهم أنسابهم أو استنجادهم. والأظهر أن جواب إذا هو قوله الآتيقال كم لبثتم في الأرض عدد سنين } المؤمنون 112 كما سيأتي وما بينهما كله اعتراض نشأ بعضه عن بعض. وضمير { بينهم } عائد إلى ما عادت عليه ضمائر جمع الغائبين قبله وهي عائدة إلى المشركين. ومعنى نفي الأنساب نفي آثارها من النجدة والنصر والشفاعة لأن تلك في عرفهم من لوازم القرابة. فقوله { فلا أنساب بينهم } كناية عن عدم النصير. والتساؤل سؤال بعضهم بعضاً. والمعنيّ به التساؤل المناسب لحلول يوم الهول، وهو أن يسأل بعضهم بعضاً المعونة والنجدة، كقوله تعالىولا يسأل حميم حميماً } المعارج 10. وأما إثبات التساؤل يومئذ في قوله تعالىوأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوماً طاغين فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون } الصافات 27 ـــ 33 فذلك بعد يأسهم من وجود نصير أو شفيع. وفي «البخاري» أن رجلاً هو نافع بن الأزرق الخارجي قال لابن عباس إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي قال { فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون } وقالوأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } الصافات 27 فقال ابن عباس أما قوله { فلا أنساب بينهم } فهو في النفخة الأولى فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون اهــــ. يريد اختلاف الزمان وهو قريب مما قلناه.

السابقالتالي
2