الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ }

{ بعد أن أُدمج الاستدلال على البعث بالمواعظ والمنن والتذكير بالنعم أُعيد الكلام على البعث هنا بمنزلة نتيجة القياس، فذُكّر الملحدون بالحياة الأولى التي لا ريب فيها، وبالإماتة التي لا يرتابون فيها، وبأن بعد الإماتة إحياء آخر كما أخذ من الدلائل السابقة. وهذا محل الاستدلال، فجملةوَهُوَ ٱلَّذِىۤ أَحْيَاكُمْ } الحج 65 عطف على جملة { ويمسك السماء } لأن صدر هذه من جملة النِعم فناسب أن تعطف على سابقتها المتضمنة امتناناً واستدلالاً كذلك. { إِنَّ ٱلإِنْسَـٰنَ لَكَفُورٌ } تذييل يجمع المقصد من تعداد نعم المُنعم بجلائل النعم المقتضية انفراده باستحقاق الشكر واعتراف الخلق له بوحدانية الربوبية.وتوكيد الخبر بحرف إنّ لتنزيلهم منزلة المنكر أنهم كفراء.والتعريف في { الإنسان } تعريف الاستغراق العرفي المؤذن بأكثر أفراد الجنس من باب قولهم جمع الأمير الصاغة، أي صاغة بلده، وقوله تعالىفجمع السحرة لميقات يوم معلوم } الشعراء 38. وقد كان أكثر العرب يومئذ منكرين للبعث، أو أريد بالإنسان خصوص المشرك كقوله تعالىويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حياً } مريم 66.والكفور مبالغة في الكافر، لأنّ كفرهم كان عن تعنّت ومكابرة.ويجوز كون الكفور مأخوذاً من كُفر النعمة وتكون المبالغةُ باعتبار آثار الغفلة عن الشكر، وحينئذ يكون الاستغراق حقيقياً.