الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } * { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }

اسم الإشارة مستعمل هنا للفصل بين كلامين أو بين وجهين من كلام واحد، والقصد منه التنبيه على الاهتمام بما سيذكر بعده. فالإشارة مرادٌ بها التنبيه، وذلك حيث يكون ما بعده غيرَ صالح لوقوعه خبراً عن اسم الإشارة فيتعين تقدير خبر عنه في معنى ذلك بيانٌ، أو ذكرٌ، وهو من أساليب الاقتضاب في الانتقال. والمشهور في هذا الاستعمال لفظ هذا كما في قوله تعالىهذا وإن للطاغين لشر مئاب } ص 55 وقولِ زهير
هَذا وليس كمن يَعْيَا بخطبته وسْط النّدي إذا ما قائل نَطقا   
وأوثر في الآية اسم إشارة البعيد للدلالة على بعد المنزلة كناية عن تعظيم مضمون ما قبله.فاسم الإشارة مبتدأ حذف خبره لظهور تقديره، أي ذلك بيان ونحوه. وهو كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض الأغراض فإذا أراد الخوض في غرض آخر، قال هذا وقد كان كذا وكذا.وجملة { ومن يعظم } الخ... معترضة عطفاً على جملةوإذا بوأنا لإبراهيم مكان البيت } الحج 26 عطف الغرض على الغرض. وهو انتقال إلى بيان ما يجب الحفاظ عليه من الحنيفية والتنبيه إلى أن الإسلام بُنِي على أساسها.وضمير { فهو } عائد إلى التعظيم المأخوذ من فعل { ومن يعظم حرمات الله }. والكلام موجّه إلى المسلمين تنبيهاً لهم على أنّ تلك الحرمات لم يعطل الإسلام حرمتَها، فيكون الانتقال من غرض إلى غرض ومن مخاطب إلى مخاطب آخر. فإن المسلمين كانوا يعتمرون ويحجون قبل إيجاب الحجّ عليهم، أي قبل فتح مكة.والحُرمات جمع حُرُمة ــــ بضمتين ــــ وهي ما يجب احترامه.والاحتراماعتبار الشيء ذَا حَرَم، كناية عن عدم الدخول فيه. أي عدم انتهاكه بمخالفة أمر الله في شأنه، والحُرمات يشمل كل ما أوصَى الله بتعظيم أمره فتشمل مناسك الحج كلها.وعن زيد بن أسلم الحرمات خمس المسجد الحرام، والبيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمُحرم ما دام محرماً، فقصَرَه على الذوات دون الأعمال. والذي يظهر أن الحرمات يشمل الهدايا والقلائد والمشعر الحرام وغير ذلك من أعمال الحجّ، كالغسل في مواقعه، والحلق ومواقيته ومناسكه. { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَـٰمُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } لما ذكر آنفاً بهيمة الأنعام وتعظيم حرمات الله أعقب ذلك بإبطال ما حرمه المشركون على أنفسهم من الأنعام مثل البَحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحَامي وبعضِ ما في بطونها. وقد ذكر في سورة الأنعام.واستثني منه ما يتلى تحريمه في القرآن وهو ما جاء ذكره في سورة الأنعام 145 في قولهقل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً } الآيات وما ذكر في سورة النحل وكلتاهما مكيتان سابقتان.وجيء بالمضارع في قوله إلا ما يتلى عليكم } ليشمل ما نزل من القرآن في ذلك مما سبق نزولَ سورة الحجّ بأنه تلي فيما مضى ولم يزل يتلى، ويشمل ما عسى أن يَنزل من بعد مثل قوله

السابقالتالي
2 3