كان مقتضى الظاهر أن يكون هذا الكلام معطوفاً بالواو على جملة{ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار } الحج 19 لأنه قسيم تلك الجملة في تفصيل الإجمال الذي في قوله{ هذان خصمان اختصموا في ربهم } الحج 19 بأن يقال والذين آمنوا وعملوا الصالحات يُدخلهم الله جنات... إلى آخره. فعدل عن ذلك الأسلوب إلى هذا النظم لاسترعاء الأسماع إلى هذا الكلام إذا جاء مبتدأ به مستقلاً مفتتحاً بحرف التأكيد ومتوّجاً باسم الجلالة، والبليغ لا تفوته معرفة أنّ هذا الكلام قسيم للذي قبله في تفصيل إجمال{ هذان خصمان اختصموا في ربهم } الحج 19 لوصف حال المؤمنين المقابل لحال الذين كفروا في المكان واللباس وخطاب الكرامة.فقوله { يدخل الذين آمنوا } الخ مقابل قوله{ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها } الحج 22. وقوله { يحلون فيها من أساور من ذهب } يقابل قوله{ يصب من فوق رؤوسهم الحميم } الحج 19. وقوله { ولباسهم فيها حرير } مقابل قوله{ قطعت لهم ثياب من نار } الحج 19. وقوله{ وهدوا إلى الطيب من القول } مقابل قوله{ وذوقوا عذاب الحريق } الحج 22 فإنه من القول النكِد.والتحليّة وضع الحَلْي على أعضاء الجسم. حَلاّه ألبسه الحَلي مثل جلبب.والأساور جمع أسورة الذي هو جمع سِوار. أشير بجمع الجمع إلى التكثير كما تقدم في قوله{ يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً } فيسورة الكهف 31.ومِن في قوله { من أساور } زائدة للتوكيد. ووجهه أنه لما لم يعهد تحلية الرجال بالأساور كان الخبر عنهم بأنهم يُحلّون أساور معرّضاً للتردد في إرادة الحقيقة فجيء بالمؤكد لإفادة المعنى الحقيقي، ولذلك فــــ { أساور } في موضع المفعول الثاني لــــ { يُحلَّون }. { ولؤلؤاً } قرأه ناقع، ويعقوب، وعاصم ــــ بالنصب ــــ عطفاً على محل { أساور } أي يحلون لؤلؤاً أي عقوداً ونحوها. وقرأه الباقون ــــ بالجرّ عطفاً على اللفظ ــــ والمعنى أساور من ذهب وأساور من لُؤلؤ.وهي مكتوبة في المصحف بألف بعد الواو الثانية في هذه السورة فكانت قراءة جر { لؤلؤ } مخالفة لمكتوب المصحف. والقراءة نقل ورواية فليس اتباع الخط واجباً على من يروي بما يخالفه. وكتب نظيره في سورة فاطر بدون ألف، والذين قرأوه بالنصب خالفوا أيضاً خط المصحف واعتمدوا روايتهم.وسريان معنى التأكيد على القراءتين واحد لأنّ التأكيد تعلّق بالجملة كلها لا بخصوص المعطوف عليه حتى يحتاج إلى إعادة المؤكد مع المعطوف.واللؤلؤ الدرّ. ويقال له الجمان والجوهر. وهو حبوب بيضاء وصفراء ذات بريق رقراق تُستخرج من أجواف حيوان مائي حَلزوني مستقرّ في غلاف ذي دفتين مغلقتين عليه يفتحهما بحركة حيوية منه لامتصاص الماء الذي يسبح فيه ويسمى غِلافه صَدفاً، فتوجد في جوف الحيوان حبة ذات بريق وهي تتفاوت بالكبر والصغر وبصفاء اللون وبياضه. وهذا الحيوان يوجد في عدّة بحار كبحر العجم وهو المسمّى بالبحرين، وبحر الجابون، وشط جزيرة جربة من البلاد التونسية، وأجوده وأحسنه الذي يوجد منه في البحرين حيث مصب نهري الدجلة والفرات، ويستخرجه غَوّاصون مدَرّبون على التقاطه من قعر البحر بالغوص، يغوص الغائص مُشدوداً بحبل بيد مَن يمسكه على السفينة وينتشله بعد لحظة تكفيه للالتقاط.