الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } * { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ }

عطف على جملةياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث } الحج 5 كما عطفت جملة { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير } على جملةياأيها الناس اتقوا ربكم } الحج 1. والمعنى إن كنتم في ريب من وقوع البعث فإنا نزيل ريبكم بهذه الأدلة الساطعة، فالناسُ بعد ذلك فريقان فريق يوقن بهذه الدلالة فلا يبقى في ريب، وفريق من الناس يجادل في الله بغير علم وهؤلاء هم أيّمة الشرك وزعماء الباطل.وجملةلا ريب فيها } الحج 7 معترضة بين المتعاطفات، أي ليس الشأن أن يُرتاب فيها، فلذلك نفي جنس الريب فيها، أي فالريب.والمعنيُّ بهذه الآية هو المعنيُّ بقوله فيما مضىومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد } الحج 3، فيكون المراد فريق المعاندين المكابرين الذين يجادلون في الله بغير علم بعد أن بلغهم الإنذار من زلزلة الساعة، فهم كذلك يجادلون في الله بغير علم بعد أن وضحت لهم الأدلة على وقوع البعث.ودافِعُهم إلى الجدال في الله عند سماع الإنذار بالساعة عدمُ علمهم ما يجادلون فيه واتباعهم وسواس الشياطين.ودافعهم إلى الجدال في الله عند وضوح الأدلة على البعث علم علمهم ما يجادلون فيه، وانتفاء الهُدى، وانتفاء تلقي شريعة من قبل، والتكبر عن الاعتراف بالحجة، ومحبةُ إضلال الناس عن سبيل الله. فيؤول إلى معنى أن أحوال هؤلاء مختلفة وأصحابها فريق واحد هو فريق أهل الشرك والضلالة. ومن أساطين هذا الفريق من عدّوا في تفسير الآية الأولى مثلُ النضْر بن الحارث، وأبي جهل، وأُبيّ بن خلف.وقيل المراد من هذه الآية بمن يجادل في الله النضر بن الحارث. كُرر الحديث عنه تبييناً لحالتي جداله، وقيل المراد بمن يجادل في هذه الآية أبو جهل، كما قيل إن المراد في الآية الماضية النضر بن الحارث فجعلت الآية خاصة بسبب نزولها في نظر هذا القائل. وروي ذلك عن ابن عباس. وقيل هو الأخنَس بن شَريق. وتقدم معنى قوله { بغير علم } في نظير هذه الآية. وقيل المراد بــــمن يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد } الحج 3 المقلدون ــــ بكسر اللام ــــ من المشركين الذين يتّبعون ما تمليه عليهم سادة الكفر، والمراد بــــ { من يجادل في الله بغير علم ولا هدى } المقلّدون ــــ بفتح اللام ــــ أئمة الكفر.والهدى مصدر في معنى المضاف إلى مفعوله، أي ولا هُدى هو مَهدِي به. وتلك مجادلة المقلّد إذا كان مقلداً هادياً للحق مثل أتباع الرسل، فهذا دون مرتبَة من يجادل في الله بعلم، ولذلك لم يستغن بذكر السابِق عن ذكر هذا.والكتاب المُنير كُتب الشرائع مثل التوراة والإنجيل، وهذا كما يجادلُ أهلُ الكتاب قبل مجيء الإسلام المشركين والدهريين فهو جدال بكتاب منير.

السابقالتالي
2