الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } * { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ }

حتى ابتدائيةٌ. والجملة بعدها كلام مستأنف لا محل له من الإعراب ولكن حَتّى تكسبه ارتباطاً بالكلام الذي قبله. وظاهر كلام الزمخشري أن معنى الغاية لا يفارق حتّى حين تكون للابتداء، ولذلك عُني هو ومن تبعه من المفسرين بتطلب المغيّا بها ههنا فجعلها في «الكشاف» غاية لقوله { وحرَام } فقال «حتّى متعلقة بــــ { حَرام } وهي غاية له لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة» اهــــ. أي فهو من تعليق الحكم على أمر لا يقع كقوله تعالىولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } الأعراف 40، ويتركب على كلامه الوجهان اللذان تقدما في معنى الرجوع من قوله تعالىأنهم لا يرجعون } الأنبياء 95، أي لا يرجعون عن كفرهم حتى ينقضي العالم، أو انتفاء رجوعهم إلينا في اعتقادهم يزول عند انقضاء الدنيا. فيكون المقصود الإخبار عن دوام كفرهم على كلا الوجهين. وعلى هذا التفسير ففتح ياجوج وماجوج هو فتح السدّ الذي هو حائل بينهم وبين الانتشار في أنحاء الأرض بالفساد، وهو المذكور في قصة ذي القرنين في سورة الكهف.وتوقيت وعد الساعة بخروج ياجوج وماجوج أن خروجهم أول علامات اقتراب القيامة.وقد عدّه المفسرون من الأشراط الصغرى لقيام الساعة.وفسّر اقتراب الوعد باقتراب القيامة، وسُمّيت وعداً لأن البعث سمّاه الله وعداً في قوله تعالىكما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين } الأنبياء 104.وعلى هذا أيضاً جعلوا ضمير { وهم من كل حدب ينسلون } عائد إلى «ياجوج وماجوج» فالجملة حال من قوله { ياجوج وماجوج }.وبناء على هذا التفسير تكون هذه الآية وصفتْ انتشار ياجوج وماجوج وصفاً بديعاً قبل خروجهم بخمسة قرون فعددنا هذه الآية من معجزات القرآن العلمية والغيبية. ولعل تخصيص هذا الحادث بالتوقيت دون غيره من علامات قرب الساعة قصد منه مع التوقيت إدماجُ الإنذار للعرب المخاطبين ليكون ذلك نُصب أعينهم تحذيراً لذرياتهم من كوارث ظهور هذين الفريقين فقد كان زوال ملك العرب العتيد وتدهور حضارتهم وقوتهم على أيدي ياجوج وماجوج وهم المَغول والتتار كما بيّن ذلك الإنذارُ النبوي في ساعة من ساعات الوحي. فقد روت زينب بنت جحش أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فَزِعاً يقول " «لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرّ قد اقترب، فُتح اليوم من رَدْم ياجوج وماجوج هكذا»وحلّق بأصبعه الإبهام والتي تليها " والاقتراب على هذا اقتراب نسبي على نسبة ما بقي من أجل الدنيا بما مضى منه كقوله تعالىاقتربت الساعة وانشقّ القمر } القمر 1.ويجوز أن يكون المراد بفتح ياجوج وماجوج تمثيلَ إخراج الأموات إلى الحَشر، فالفتح معنى الشق كقوله تعالىيوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ذلك حشر علينا يسير } ق 44، ويكون اسم ياجوج وماجوج تشبيهاً بليغاً.

السابقالتالي
2 3