الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ }

فُرّع على الوعيد المعرض به في قوله تعالىكل إلينا راجعون } الأنبياء 94 تفريعٌ بديع من بيان صفة ما توعدوا به، وذلك من قوله تعالىفإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } الأنبياء 97 الآيات.وقدم وَعد المؤمنين بجزاء أعمالهم الصالحة اهتماماً به، ولوقوعه عقب الوعيد تعجيلاً لمسرة المؤمنين قبل أن يسمعوا قوارع تفصيل الوعيد، فليس هو مقصوداً من التفريع، ولكنه يشبه الاستطراد تنويهاً بالمؤمنين كما سيُعتَنى بهم عقب تفصيل وعيد الكافرين بقوله تعالىإن الذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون } الأنبياء 101 إلى آخر السورة.والكفران مصدر أصله عدم الاعتراف بالإحسان، ضد الشكران. واستعمل هنا في حرمان الجزاء على العمل الصالح على طريقة المجاز لأن الاعتراف بالخير يستلزم الجزاء عليه عُرفاً كقوله تعالىوما تفعلوا من خير فلن تكفروه } آل عمران 115 فالمعنى أنهم يُعطَون جزاء أعمالهم الصالحة.وأكد ذلك بقوله { وإنا له كاتبون } مؤكداً بحرف التأكيد للاهتمام به.والكتابة كناية عن تحققه وعدم إضاعته لأن الاعتناء بإيقاع الشيء يستلزم الحفظ عن إهماله وعن إنكاره، ومن وسائل ذلك كتابته ليذكر ولو طالت المدة. وهذا لزوم عرفي. قال الحارث بن حلزة
وهَل يَنقض ما في المهارق الأهواء   
وذلك مع كون الكتابة مستعملة في معناها الأصلي كما جاءت بذلك الظواهر من الكتاب والسنة.