الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } * { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }

عطف على جملةبل قالوا أضغاث أحلام } الأنبياء 5 إلى قوله تعالىفليأتنا بآية كما أرسل الأولون } الأنبياء 5 لإقامة الحجة على المشركين بالدلائل العقلية والإقناعية والزجرية، ثم بدلائل شواهد التاريخ وأحوال الأمم السابقة الشاهدة بتنظير ما أوتيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بما أوتيه سلفه من الرسل والأنبياء، وأنه ما كان بِدْعاً من الرسل في دعوته إلى التوحيد تلك الدعوة التي كذبه المشركون لأجلها مع ما تخلل ذلك من ذكر عناد الأقوام، وثبات الأقدام، والتأييد من الملك العلاّم، وفي ذلك تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - على ما يلاقيه من قومه بأن تلك سنة الرسل السابقين كما قال تعالىسنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا } في سورة الإسراء 77. فجاء في هذه الآيات بأخبار من أحوال الرسل المتقدمين.وفي سَوق أخبار هؤلاء الرسل والأنبياء تفصيل أيضاً لما بُنيت عليه السورة من قوله تعالىوما أرسلنا قبلك إلا رجالاً يوحى إليهم } الأنبياء 7 الآيات، ثم قوله تعالىوما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } الأنبياء 25، ثم قوله تعالىقل إنما أنذركم بالوحي } الأنبياء 45. واتصالها بجميع ذلك اتصال محكم ولذلك أعقبت بقوله تعالى { وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون }.وابتدىء بذكر موسى وأخيه مع قومهما لأن أخبار ذلك مسطورة في كتاب موجود عند أهله يعرفهم العرب ولأن أثر إتيان موسى - عليه السلام - بالشريعة هو أوسع أثر لإقامة نظام أمة يلي عظمة شريعة الإسلام.وافتتاح القصة بلام القسم المفيدة للتأكيد لتنزيل المشركين في جهل بعضهم بذلك وذهول بعضهم عنه وتناسي بعضهم إياه منزلة من ينكر تلك القصة.ومحل التنظير في هذه القصة هو تأييد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكتاب مبين وتلقي القوم ذلك الكتاب بالإعراض والتكذيب.والفُرقَان ما يُفرّق به بين الحق والباطل من كلام أو فعل. وقد سمى الله تعالى يوم بدر يوم الفرقان لأن فيه كان مبدأ ظهور قوة المسلمين ونصرهم. فيجوز أن يراد بالفرقان التوراة كقوله تعالىوآتيناهما الكتاب المستبين } في سورة الصافات 117.والإخبار عن الفرقان بإسناد إيتائه إلى ضمير الجلالة للتنبيه على أنه لم يَعْد كونَه إيتاء من الله تعالى ووحياً كما أوتي محمد - عليه الصلاة والسلام - القرآن فكيف ينكرون إيتاء القرآن وهم يعلمون أن موسى - عليه السلام - ما جاء إلا بمثله. وفيه تنبيه على جلالة ذلك المُوتَى.ويجوز أن يراد بالفرقان المعجزات الفارقة بين المعجزة والسحر كقوله تعالىولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين } في سورة غافر 23. ويجوز أن يراد به الشريعة الفارقة بين العدل والجور كقوله تعالىوإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون } في سورة البقرة 53.

السابقالتالي
2