الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ }

يجوز أن تكون الواو عاطفة هذه الجملة على جملةولئن مستهم نفحة من عذاب ربك } الأنبياء 46 الخ لمناسبة قولهمإنا كنا ظالمين } الأنبياء 46، ولبيان أنهم مجازَون على جميع ما أسلفوه من الكفر وتكذيب الرسول بياناً بطريق ذكر العموم بعد الخصوص في المُجَازَيْن، فشابه التذييل من أجل عموم قوله تعالى { فلا تظلم نفس شيئاً } ، وفي المجازَى عليه من أجل قوله تعالى { وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها }.ويجوز أن تكون الواو للحال من قولهرَبِّك } الأنبياء 46، وتكون نون المتكلم المعظّم التفاتاً لمناسبة الجزاء للأعمال كما يقال أدّى إليه الكيل صاعاً بصاع، ولذلك فرع عليه قوله تعالى { فلا تظلم نفس شيئاً }.ويجوز أن تكون الجملة معترضة وتكون الواو اعتراضية.والوضع حقيقته حط الشيء ونَصْبه في مكان، وهو ضد الرفع. ويطلق على صنع الشيء وتعيينه للعمل به وهو في ذلك مجاز.والميزان اسم آلة الوزن. وله كيفيات كثيرة تختلف باختلاف العوائد، وهي تتّحد في كونها ذات طبقين متعادليْن في الثقل يُسميان كِفتين ــــ بكسر الكاف وتشديد الفاء ــــ تكونان من خشب أو من حديد، وإذا كانتا من صُفر سُميتا صنجتين ــــ بصاد مفتوحة ونون ساكنة ــــ، معلق كل طبق بخيوط في طرف يجمعهما عود من حديد أو خشب صلب، في طرفيه عروتان يشد بكل واحدة منهما طبق من الطبقين يسمى ذلك العود شَاهين وهو موضوع مَمدوداً، وتجعَل بوسطه على السواء عروة لتمسكه مِنها يدُ الوازن، وربما جعلوا تلك العروة مستطيلة من معدن وجعلوا فيها إبرة غليظة من المعدن منوطة بعروة صغيرة من معدن مَصُوغَة في وسط الشاهين فإذا ارتفع الشاهين تحركتْ تلك الإبرة فإذا ساوت وسط العروة الطويلة على سواء عُرف اعتدال الوزن وإن مالت عرف عدم اعتداله، وتسمى تلك الإبرة لساناً، فإذا أريد وزن شيئين ليعلم أنهما مستويان أو أحدهما أرجح وضع كلّ واحد منهما في كِفّة، فالتي وضع فيها الأثقل منهما تنزل والأخرى ذات الأخف ترتفع وإن استويتا فالموزونان مستويان، وإذا أريد معرفة ثِقل شيء في نفسه دون نسبته إلى شيء آخر جعلوا قطعاً من معدن صُفرٍ أو نُحَاس أو حديدٍ أو حَجر ذات مقادير مضبوطةٍ مصطلح عليها مثل الدرهم والأوقية والرَّطل، فجعلوها تقديراً لثقل الموزون ليعلم مقدار ما فيه لدفع الغبن في التعاوض، ووحدتها هو المثقال، ويسمى السَّنْج ــــ بفتح السين المهملة وسكون النون بعدها جيم ــــ.والقِسْط ــــ بكسر القاف وسكون السين ــــ اسم المفعول، وهو مصدر وفعله أقسط مهموزاً. وتقدم في قوله تعالىقائماً بالقسط } في سورة آل عمران18.وقد اختلف علماء السلف في المراد من الموازين هنا أهو الحقيقةُ أم المجاز، فذهب الجمهور إلى أنه حقيقة وأن الله يجعل في يوم الحشر موازين لوزن أعمال العباد تشبه الميزان المتعارف، فمنهم من ذهب إلى أن لكل أحد من العباد ميزاناً خاصاً به توزن به أعماله، وهو ظاهر صيغة الجمع في هذه الآية وقوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4