الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } * { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ }

{ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ * أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ * بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وءابَاءهم حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمْ العُمُرُ } بعد أن سُلِّيَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على استهزائهم بالوعيد أُمر أن يذكرهم بأن غرورهم بالإمهال من قِبل الله رحمة منه بهم كشأنه في الرحمة بمخلوقاته بأنهم إذا نزل بهم عذابه لا يجدون حافظاً لهم من العذاب غيره ولا تمنعهم منه آلهتهم.والاستفهام إنكار وتقريع، أي لا يكلؤُهم منه أحد فكيف تجهلون ذلك، تنبيهاً لهم إذ نسوا نعمه.وذكر الليل والنهار لاستيعاب الأزمنة كأنه قيل من يكلؤكم في جميع الأوقات.وقدم الليل لأنه زمن المخاوف لأن الظلام يُعين أسباب الضر على الوصول إلى مبتغاها من إنسان وحيوان وعلل الأجسام.وذكر النهار بعده للاستيعاب.ومعنى { من الرحمان } من بأسه وعذابه.وجيء بعد هذا التفريع بإضرابات ثلاثة انتقالية على سبيل التدريج الذي هو شأن الإضراب.فالإضراب الأول قوله تعالى { بل هم عن ذكر ربهم معرضون } ، وهو ارتقاء من التقريع المجعول للإصلاح إلى التأييس من صلاحهم بأنهم عن ذكر ربهم معرضون فلا يُرجَى منهم الانتفاع بالقوارع، أي أخِّرْ السؤال والتقريع واتركهم حتى إذا تورّطوا في العذاب عرفوا أن لا كالىء لهم.ثم أضرب إضراباً ثانياً بــــ أم المنقطعة التي هي أخت بل مع دلالتها على الاستفهام لقصد التقريع فقال { أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا } ، أي بل ألهم آلهة. والاستفهام إنكار وتقريع، أي ما لهم آلهة مانعة لهم من دوننا. وهذا إبطال لمعتقدهم أنهم اتخذوا الأصنام شفعاء.وجملة { لا يستطيعون نصر أنفسهم } مستأنفة معترضة. وضمير { يستطيعون } عائد إلى آلهة أجري عليهم ضمير العقلاء مجاراة لما يجريه العرب في كلامهم. والمعنى كيف ينصرونهم وهم لا يستطيعون نصر أنفسهم، ولا هم مؤيدون من الله بالقبول.ثم أضرب إضراباً ثالثاً انتقل به إلى كشف سبب غرورهم الذي من جهلهم به حسبوا أنفسهم آمنين من أخَذ الله إياهم بالعذاب فجرّأهم ذلك على الاستهزاء بالوعيد، وهو قوله تعالى { بل متعنا هؤلاء وآباءهم } ، أي فما هم مستمرون فيه من النعمة إنما هو تمتيع وإمهال كما متعنا آباءهم من قبل، وكما كان لآبائهم آجال انتهوا إليها كذلك يكون لهؤلاء، ولكن الآجال تختلف بحسب ما علم الله من الحكمة في مَداها حتى طالت أعمار آبائهم. وهذا تعريض بأن أعمار هؤلاء لا تبلغ أعمار آبائهم، وأن الله يحل بهم الهلاك لتكذيبهم إلى أمدٍ عَلِمَه.وقد وُجه الخطاب إليهم ابتداء بقوله تعالى { قل من يكلؤكم } ، ثم أُعرض عنهم من طريق الخطاب إلى طريق الغيبة لأن ما وجه إليهم من إنكار أن يكلأهم أحد من عذاب الله جعلهم أحرياء بالإعراض عنهم كما في قوله تعالى

السابقالتالي
2 3