الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ }

نشأ عن ذكر استبطاء المسلمين وعد الله بنصرهم على الكافرين ذِكر نظيره في جانب المشركين أنهم تساءلوا عن وقت هذا الوعد تهكماً، فنشأ به القولان واختلف الحالان فيكون قوله تعالىويقولون متى هذا الوعد } عطفاً على جملةسأريكم آياتي } الأنبياء 37. وهذا معبّر عن مقالة أخرى من مقالاتهم التي يتلقون بها دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - استهزاء وعناداً.وذكر مقالتهم هذه هنا مناسب لاستبطاء المسلمين النصرْ. وبهذا الاعتبار تكون متصلة بجملةوإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزؤاً } الأنبياء 36 فيجوز أن تكون معطوفة عليها.وخاطبوا بضمير الجماعة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، ولأجل هذه المقالة كان المسلمون يستعجلون وعيد المشركين.واستفهامُهم استعملوه في التهكم مجازاً مرسلاً بقرينة إن كنتم صادقين لأن المشركين كانوا موقنين بعدم حصول الوعد.والمراد بالوعد ما تَوعدهم به القرآن من نصرِ رسوله واستئصال معانديه. وإلى هذه الآية ونظيرها ينظرُ قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر حين وقف على القليب الذي دفنت فيه جثث المشركين وناداهم بأسمائهمقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً } الأعراف 44 أي ما وعدنا ربنا من النصر وما وعدكم من الهلاك وعذاب النار.وجملة { لو يعلم الذين كفروا } مستأنفة للبيان لأن المسلمين يترقبون من حكاية جملة { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين }. ماذا يكون جوابهم عن تهكمهم. وحاصل الجواب أنه واقع لا محالة ولا سبيل إلى إنكاره.وجواب لو محذوف، تقديره لمَا كانوا على ما هم عليه من الكفر والاستهزاء برسولكم وبدينكم، ونحو ذلك مما يحتمله المقام. وقد يؤخذ من قرينة قوله تعالىوإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلاّ هُزؤاً } الأنبياء 36. وحذْف جواب لو كثير في القرآن. ونكتته تهويل جنسه فتذهب نفس السامع كل مذهب.و حينَ هنا اسم زمان منصوب على المفعولية لا على الظرفية، فهو من أسماء الزمان المتصرفة، أي لو علموا وقته وأيقنوا بحصوله لما كذبوا به وبمن أنذرهم به ولما عَدوا تأخيره دليلاً على تكذيبه.وجملة { لا يكفون } مضاف إليها حينَ. وضمير { يكفون } فيه وجهان أحدهما بدا لي أن يكون الضمير عائداً إلى ملائكة العذاب فمعاد الضمير معلوم من المقام، ونظائر هذا المعاد كثيرة في القرآن وكلام العرب. ومعنى الكف على هذا الوجه الإمساك وهو حقيقته، أي حين لا يمسك الملائكة اللفح بالنار عن وجوه المشركين. وتكون هذه الآية في معنى قوله تعالى في سورة الأنفال 50ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق } فإن ذلك ضرب بسياط من نار ويكون ما هنا إنذار بما سيلقونه يوم بدر كما أن آية الأنفال حكاية لما لَقُوه يوم بدر.

السابقالتالي
2