الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ }

عُنيت الآيات من أول السورة باستقصاء مطاعن المشركين في القرآن ومن جاء به بقولهمأفتأتون السحر وأنتم تُبصرون } الأنبياء 3، وقولهمأضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر } الأنبياء 5 وكان من جملة أمانيهم لما أعياهم اختلاق المطاعن أن كانوا يتمنون موت محمد - صلى الله عليه وسلم - أو يرجونه أو يُدبرونه قال تعالىأم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون } في سورة الطور 30، وقال تعالىوإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك } الأنفال 30.وقد دلّ على أن هؤلاء هم المقصود من الآية قوله تعالى { أفإن مت فهم الخالدون } فلما كان تمنيهم موته وتربصهم به ريبَ المنون يقتضي أن الذين تمنوا ذلك وتربصوا به كأنهم واثقون بأنهم يموتون بعده فتتمّ شماتتهم، أو كأنهم لا يموتون أبداً فلا يشمت بهم أحد، وجه إليهم استفهام الإنكار على طريقة التعريض بتنزيلهم منزلة من يزعم أنهم خالدون.وفي الآية إيماء إلى أن الذين لم يقدر الله لهم الإسلام ممن قالوا ذلك القول سيموتون قبل موت النبي - عليه الصلاة والسلام - فلا يشمتون به فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يمت حتى أهلك الله رؤوس الذين عاندوه وهدى بقيتهم إلى الإسلام.ففي قوله تعالى { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } طريقةُ القول بالموجَب، أي أنك تموت كما قالوا ولكنهم لا يرون ذلك وهم بحال من يزعمون أنهم مخلدون فأيقنوا بأنهم يتربصون بك ريب المنون من فرط غرورهم، فالتفريع كان على ما في الجملة الأولى من القول بالموجَب، أي ما هم بخالدين حتى يُوقنوا أنهم يرون موتك. وفي الإنكار الذي هو في معنى النفي إنذارٌ لهم بأنهم لا يرى موتَه منهم أحد.