الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ }

أي فإن أعرضوا بعد هذا التبيين المفصّل والجامع فأبلغهم الإنذار بحلول ما توّعدهم الله به.والإيذان الإعلام، وهو بوزن أفعل من أذِن لكذا بمعنى سمع. واشتقاقه من اسم الأُذُن، وهي جارحة السمع، ثم استعمل بمعنى العلم بالسمع ثم شاع استعماله في العلم مطلقاً.وأما آذن فهو فعل متعد بالهمزة وكثر استعمال الصيغتين في معنى الإنذار وهو الإعلام المشوب بتحذير. فمن استعمال أذِن قوله تعالىفأذنوا بحرب من الله ورسوله } البقرة 279، ومن استعمال آذن قول الحارث بن حِلزةآذنتنا ببينها أسماءوحذف مفعول { آذنتكم } الثاني لدلالة قوله تعالى { ما توعدون } عليه، أو يقدر آذنتكم ما يوحى إليّ لدلالة ما تقدم عليه. والأظهر تقدير ما يشمل المعنيين كقوله تعالىفإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم } هود 57.وقوله تعالىعلى سواء } على فيه للاستعلاء المجازي، وهو قوة الملابسة وتمكّن الوصف من موصوفه.وسَواء اسم معناه مستو. والاستواء المماثلة في شيء ويجمع على أسواء. وأصله مصدر ثم عومل معاملة الأسماء فجمعوه لذلك، وحقّه أن لا يجمع فيجوز أن يكون { على سواء } ظرفاً مستقراً هو حال من ضمير الخطاب في قوله تعالى { آذنتكُم } أي أنذرتكم مستوين في إعلامكم به لا يدعي أحد منكم أنه لم يبلغه الإنذار. وهذا إعذار لهم وتسجيل عليهم كقوله في خطبته «ألا هل بلّغت».ويجوز أن يتعلق المجرور بفعل { آذنتكم } قال أبو مسلم الإيذان على السواء الدعاء إلى الحرب مجاهرة لقوله تعالىفانبذ إليهم على سواء } الأنفال 58 آهــــ. يريد أن هذا مثل بحال النذير بالحرب إذ لم يكن في القرآن النازل بمكة دعاءٌ إلى حرب حقيقية. وعلى هذا المعنى يجوز أن يكون { على سواء } حالاً من ضمير المتكلم.وحذف متعلق { آذنتكم } لدلالة قوله تعالى { وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون } عليه، ولأن السياق يؤذن به لقوله قبلهحتى إذا فتحت ياجوج وماجوج } الأنبياء 96 الآية. وتقدم عند قوله تعالىفانبذ إليهم على سواء } في سورة الأنفال 58.وقوله { وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون } يشمل كل ما يوعدونه من عقاب في الدنيا والآخرة إن عاشوا أو ماتوا.وإنْ نافية وعلق فعل { أدري } عن العمل بسبب حرف الاستفهام وحُذف العائد. وتقديره ما توعدون به.