الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } * { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } * { قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }

انتقل موسى من محاورة قومه إلى محاورة أخيه، فجملة { قَالَ يٰهٰرُونُ } تابعة لجملةقال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً } طه 86، ولجملةقالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا } طٰه 87 وقد وجدت مناسبة لحكاية خطابه هارون بعد أن وقع الفصْل بين أجزاء الحكاية بالجمل المعترضة التي منها جملةولقد قال لهم هارون من قبل } طه 90 الخ فهو استطراد في خلال الحكاية للإشعار بعذر هارون كما تقدم. ويحتمل أن تكون عطفاً على جملة { ولقد قال لهم هارون } الخ على احتمال كون تلك من حكاية كلام قوم موسى.علم موسى أن هارون مخصوص من قومه بأنّه لم يعبد العجل، إذ لا يجوز عليه ذلك لأنّ الرسالة تقتضي العصمة، فلذلك خصه بخطاب يناسب حاله بعد أن خاطب عموم الأمة بالخطاب الماضي. وهذا خطاب التوبيخ والتهديد على بقائه بين عبدة الصنم.والاستفهام في قوله { مَا مَنَعَكَ } إنكاري، أي لا مانع لك من اللحاق بي، لأنه أقامه خليفة عنه فيهم فلما لم يمتثلوا أمره كان عليه أن يرد الخلافة إلى من استخلفه.و { إذْ رأيْتَهُم } متعلق بــــ { مَنَعَكَ }. و أنْ مصدرية، و لا حرف نفي. وهي مؤذنة بفعل محذوف يناسب معنى النفي. والمصدر الذي تقتضيه أن هو مفعول الفعل المحذوف. وأما مفعول { مَنَعَكَ } فمحذوف يدلّ عليه { مَنَعَكَ } ويدل عليه المذكور.والتقدير ما منَعك أن تتبعني واضطرّك إلى أنْ لا تتبعني، فيكون في الكلام شِبه احتباك. والمقصود تأكيدُ وتشديدُ التوبيخ بإنكار أن يكون لهارونَ مانع حينئذ من اللحاق بموسى ومقتض لعدم اللحاق بموسى، كما يقال وُجد السبب وانتفَى المانع.ونظيره قوله تعالىما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } في سورة الأعراف 12 فارجعْ إليه.والاستفهام في قوله { أفَعَصَيْتَ أمري } مفرع على الإنكار، فهو إنكار ثان على مخالفة أمره، مشوب بتقرير للتهديد.وقوله في الجواب { يا ابن أم } نداء لقصد الترقيق والاستشفاع. وهو مؤذن بأن موسى حين وبّخه أخذ بِشَعرِ لحية هارون، ويشعر بأنه يجذبه إليه ليلطمه، وقد صرح به في الأعراف 50 بقوله تعالىوأخذ برأس أخيه يجرّه إليه } وقرأ الجمهور «يا ابن أمَّ» بفتح الميم. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، وخلف بكسر الميم وأصله يا ابن أمّي، فحذفت ياء المتكلم تخفيفاً، وهو حذف مخصوص بالنداء. والقراءتان وجهان في حذف ياء المتكلّم المضاف إليها لفظ أمّ ولفظ عَمّ في النداء.وعطف الرأس على اللحية لأنّ أخذه من لحيته أشد ألماً وأنكى في الإذلال.وابنُ الأم الأخ. وعدل عن يا أخي إلى ابن أم لأن ذكر الأم تذكير بأقوى أواصر الأخوّة، وهي آصرة الولادة من بطن واحد والرضاعِ من لبان واحد.واللِحية بكسر اللاّم ويجوز فتح اللاّم في لغة الحجاز اسم للشعر النابت بالوجه على موضع اللحيين والذقْن، وقد أجمع القراء على كسر اللاّم من { لِحيتي }.

السابقالتالي
2