الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } * { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ }

عطفٌ على جملةاسْرِ بعبادي } طه 77 الواقعة تفسيراً لفعلأوحينا إلى موسى } طه 77، فقوله { ومَا أعْجَلَكَ عَن قومِكَ } هو مما أوحى الله به إلى موسى. والتقدير وأنْ ما أعجلك الخ. وهو إشارة إلى ما وقع لهم أيام مناجاة موسى في الطور في الشهر الثالث لخروجهم من مصر. وهذا الجزء من القصة لم يذكر في سورة الأعراف.والإعجال جعْل الشيء عاجلاً.والاستفهام مستعمل في اللّوْم. والذي يؤخذ من كلام المفسرين وتشير إليه الآية أنّ موسى تعجّل مفارقة قَومه ليحضر إلى المناجاة قبل الإبّان الذي عيّنه الله له، اجتهاداً منه ورغبة في تلقي الشريعة حسبما وعده الله قبل أن يحيط بنو إسرائيل بجبل الطور، ولم يراع في ذلك إلا السبق إلى ما فيه خير لنفسه ولقومه، فلامه الله على أن غفل عن مراعاة ما يحفّ بذلك من ابتعاده عن قومه قبل أن يوصيهم الله بالمحافظة على العهد ويحذّرهم مكر من يتوسّم فيه مكراً، فكان في ذلك بمنزلة " أبي بكر حين دخل المسجد فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - راكعاً فركع ودَبّ إلى الصف فقال له - النبي صلى الله عليه وسلم -«زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ» " وقريبٌ من تصرّف موسى ــــ عليه السّلام ــــ أخذُ المجتهد بالدليل الذي له معارض دون علم بمعارضة، وكان ذلك سبب افتتان قومه بصنع صنم يعبدونه.وليس في كتاب التّوراة ما يشير إلى أكثر من صنع بني إسرائيل العجل من ذهب اتخذوه إلهاً في مدّة مغيب موسى، وأن سبب ذلك استبطاؤهم رجوع موسىقالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } طه 91.وقوله هنا { هُمْ أُوْلاءِ عَلىٰ أَثَرِي } يدل على أنّهم كانوا سائرين خلفه وأنه سبقهم إلى المناجاة.واعتذر عن تعجّله بأنه عجّل إلى استجابة أمر الله مبالغة في إرضائه، فقوله تعالى { فَإنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } فيه ضرب من المَلام على التعجل بأنّه تسبب عليه حدوث فتنة في قومه ليعلمه أن لا يتجاوز ما وُقت له ولو كان لرغبة في ازدياد من الخير.والأثَر ــــ بفتحتين ــــ ما يتركه الماشي على الأرض من علامات قدَم أو حافر أو خفّ. ويقال إثْر ــــ بكسر الهمزة وسكون الثاء ــــ وهما لغتان فصيحتان كما ذكر ثعلب. فمعنى قولهم جاء على إثره، جاء موالياً له بقرب مجيئه، شبه الجائي الموالي بالذي يمشي على علامات أقدام مَن مشى قبله قبل أن يتغيّر ذلك الأثرُ بأقدام أخرى، ووجه الشبه هو موالاته وأنه لم يسبقه غيره.والمعنى هم أولاء سائرون على مواقع أقدامي، أي موالون لي في الوصول. ومنه قول - النبي صلى الله عليه وسلم - " وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدَمِي "

السابقالتالي
2 3