الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } * { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } * { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ }

هذه الجمل معترضة في أثناء القصة مثل ما تقدم آنفاً في قوله تعالى { إنه من يأت ربه مجرماً } الآية. وهذا خطاب لليهود الذين في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - تذكيراً لهم بنعم أخرى.وقُدّمت عليها النعمة العظيمة، وهي خلاصهم من استعباد الكفرة.وقرأ الجمهور «قد أنجيناكم - وواعدناكم» بنون العظمة. وقرأهما حمزة، والكسائي، وخلف «قد أنجيتكم ووعدتكم» بتاء المتكلّم.وذكّرهم بنعمة نزول الشريعة وهو ما أشار إليه قوله { ووٰعَدْنٰكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ }. والمواعدة اتّعاد من جانبين، أي أمرنا موسى بالحضور للمناجاة فذلك وعد من جانب الله بالمناجاة، وامتثالُ موسى لذلك وعدٌ من جانبه، فتم معنى المواعدة، كما قال تعالى في سورة البقرة 52وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة } ويظهر أنّ الآية تشير إلى ما جاء في الإصحاح 19 من سفر الخروج في الشهر الثالث بعد خروج بني إسرائيل من أرض مصر جاءوا إلى برّية سيناء هنالك نزل إسرائيل مقابل الجبل. وأما موسى فصعد إلى الله فناداه الربّ من الجبل قائلاً هكذا نقول لبيت يعقوب أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين وأنا حملتكم على أجنحة النّسور، إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة... إلخ.وذكر الطور تقدم في سورة البقرة.وجانب الطور سفحه. ووصفه بالأيمن باعتبار جهة الشخص المستقبل مشرقَ الشمس، وإلاّ فليس للجبل يمين وشمال معيّنان، وإنما تعرَّف بمعرفة أصل الجهات وهو مطلع الشمس، فهو الجانب القبلي باصطلاحنا. وجُعل محلّ المواعدة الجانب القبلي وليس هو من الجانب الغربي الذي في سورة القصص 30فلما أتاها نودي من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة } وقال فيهاوما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر } القصص 44 فهو جانب غربي، أي من جهة مغرب الشمس من الجبل، وهو الذي آنس موسى منه ناراً.وانتصب { جَانِبَ الطُّورِ } على الظرفية المكانية لأنّه لاتساعه بمنزلة المكان المبهم.ومفعول المواعدة محذوف، تقديره المناجاة.وتعدية { واعدناكم } إلى ضمير جماعة بني إسرائيل وإن كانت مواعدة لموسى ومن معه الّذين اختارهم من قومه باعتبار أنّ المقصد من المواعدة وحي أصول الشريعة التي تصير صلاحاً للأمّة فكانت المواعدة مع أولئك كالمواعدة مع جميع الأمّة.وقرأ الجميع { ونزَّلنا عليكم } الخ فباعتبار قراءة حمزة، والكسائي، وخلف قد أنجيتكم وواعدتكم بتاء المفرد تكون قراءة { ونزلنا } - بنون العظمة - قريباً من الالتفات وليس عينه، لأن نون العظمة تساوي تاء المتكلّم.والسلوَى تقدم في سورة البقرة. وكان ذلك في نصف الشهر الثاني من خروجهم من مصر كما في الإصحاح 16 من سفر الخروج.وجملة { كُلُوا } مقولٌ محذوف. تقديره وقلنا أو قائلين. وتقدم نظيره في سورة البقرة.وقرأ الجمهور { ما رزقناكم } بنون العظمة. وقرأه حمزة، والكسائي، وخلف { ما رزقتكم } بتاء المفرد.

السابقالتالي
2