الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ آيَةً أُخْرَىٰ } * { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ }

هذه معجزة أخرى عَلمه الله إياها حتى إذا تحدّى فرعون وقومه عمل مثل ذلك أمام السحرة. فهذا تمرين على معجزة ثانية مُتّحِد الغرض مع إلقاء العصا.والجناح العضد وما تحته إلى الإبط. أطلق عليه ذلك تشبيهاً بجناح الطائر.والضمّ الإلصاق، أي ألصق يدك اليمنى التي كنت ممسكاً بها العصا. وكيفية إلصاقها بجناحه أن تباشر جِلدَ جناحه بأن يدخلها في جَيْب قميصه حتى تماس بَشرة جنبه، كما في آية سورة سليمانوأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء } النّمل 12. جعل الله تغيّر لون جلد يده مماستها جناحه تشريفاً لأكثر ما يناسب من أجزاء جسمه بالفعل والانفعال.و { بيضَاءَ } حال من ضمير { تَخْرُجُ } ، و { مِنْ غيرِ سُوءٍ } حال من ضمير { بَيْضَاء }.ومعنى { مِنْ غير سُوءٍ } من غير مَرض مثل البَرص والبَهق بأن تصير بيضاء ثم تعود إلى لونها المماثل لونَ بقية بشرته. وانتصب { آيةً } على الحال من ضمير { تَخْرُجُ }.والتعليل في قوله { لِنُريكَ مِن ءَايٰتِنَا الكُبْرى } راجع إلى قوله { تَخْرُجُ بَيْضَاءَ } ، فاللام متعلّقة بــــ { تَخْرُجُ } لأنّه في معنى نجعلها بيضاء فتخرج بيضاء أو نخرجها لك بيضاء. وهذا التعليل راجع إلى تكرير الآية، أي كررنا الآيات لنريك بعض آياتنا فتعلم قدرتنا على غيرها، ويجوز أن يتعلق { لِنُرِيكَ } بمحذوف دلّ عليه قوله { ألقها } وما تفرّع عليه. وقوله { واضْمُمْ يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ } وما بعده، وتقدير المحذوف فعلنا ذلك لنريك من آياتنا.و { مِن ءَايٰتِنَا } في موضع المفعول الثاني لــــ { نريك } ، فتكون مِن فيه اسماً بمعنى بعض على رأي التفتزاني. وتقدّم عند قوله تعالىومن الناس من يقول آمنا بالله } في سورة البقرة 8، ويشير إليه كلام الكشاف هنا.و { الكبرى } صفة لــــ { ءَايٰتِنَا }. والكِبر مستعار لقوّة الماهية. أي آياتنا القوية الدلالة على قدرتنا أو على أنا أرسلناك.