الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ }

جملة { ولوْلاَ كلِمَةٌ } عطف على جملةأفلم يهد لهم } طه 128 باعتبار ما فيها من التحذير والتهديد والعبرة بالقرون الماضية، وبأنهم جديرون بأن يحل بهم مثل ما حل بأولئك. فلما كانوا قد غرّتهم أنفسهم بتكذيب الوعيد لِما رأوا من تأخر نزول العذاب بهم فكانوا يقولونمتى هذا الوعد إن كنتم صادقين } سبأ 29 عقب وعيدهم بالتنبيه على ما يزيل غرورهم بأن سبب التأخير كلمةٌ سبقت من الله بذلك لحِكَم يعلمها. وهذا في معنى قولهويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون } سبأ 29،30.والكلمة مستعملة هنا فيما شأنه أن تدل عليه الكلمات اللفظية من المعاني، وهو المسمى عند الأشاعرة بالكلام النفسي الراجع إلى علم الله تعالى بما سيبرزه للناس من أمر التكوين أو أمرِ التشريع، أو الوعظ. وتقدّم قوله تعالىولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم } في سورة هود 110.فالكلمة هنا مراد بها ما عَلمه الله من تأجيل حلول العذاب بهم، فالله تعالى بحكمته أنظر قريشاً فلم يعجل لهم العذاب لأنه أراد أن ينشر الإسلام بمن يؤمن منهم وبذريّاتهم. وفي ذلك كرامة للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بتيسير أسباب بقاء شرعه وانتشاره لأنه الشريعة الخاتمة. وخصّ الله منهم بعذاب السيف والأسر من كانوا أشداء في التكذيب والإعراض حكمة منه تعالى، كما قالوما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام } الأنفال 33 ــــ 34.واللِزام ــــ بكسر اللام ــــ مصدر لاَزَم كالخصام، استعمل مصدراً لفعل لَزِم الثاني لقصد المبالغة في قوة المعنى كأنه حاصل من عدة ناس. ويجوز أن يكون وزن فِعال بمعنى فاعل، مثل لزاز في قول لبيد
منا لزاز كريهة جذّامها   
وسِداد في قول العَرَجي
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسِدادِ ثَغْر   
أي لكان الإهلاك الشديد لازماً لهم.فانتصب { لزاماً } على أنه خبر كانَ، واسمُها ضمير راجع إلى الإهلاك المستفاد منكم أهلكنا } 128، أي لكان الإهلاك الذي أُهلك مثله مَن قبلهم من القرون، وهو الاستيصال، لازماً لهم. { وأجل مسمى } عطف على { كلمة } والتقدير ولولا كلمة وأجلٌ مسمّى يقع عنده الهلاك لكان إهلاكهم لزاماً. والمراد بالأجل ما سيُكشف لهم من حلول العذاب إما في الدنيا بأن حل برجال منهم وهو عذاب البطشة الكبرى يومَ بدر وإما في الآخرة وهو ما سيحل بمن ماتوا كفّاراً منهم. وفي معناه قوله تعالىقل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً } الفرقان 77.ويظهر أنه شاع في عصر الصحابة تأويل اسم اللزام أنه عذاب توعد الله به مشركي قريش. وقيل هو عذاب يوم بدر. ففي «صحيح البخاري» عن ابن مسعود قال «خمس قد مضين الدخان، والقمرُ، والرّومُ، والبطشة، واللِزام { فسوف يكون لزاماً }.

السابقالتالي
2