الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ }

عطف على { قلنا للملائكة اسجدوا } البقرة 34 أي بعد أن انقضى ذلك قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة. وهذه تكرمة أكرم الله بها آدم بعد أن أكرمه بكرامة الإجلال من تلقاءِ الملائكة. ونداء آدم قبل تخويله سكنى الجنة نداء تنويه بذكر اسمه بين الملإ الأعلى، لأن نداءه يسترعي إسماع أهل الملإ الأعلى فيتطلعون لما سيخاطب به، وينتزع من هذه الآية أن العالم جدير بالإكرام بالعيش الهنيء، كما أخذ من التي قبلها أنه جدير بالتعظيم. والأمر بقوله { اسكن } مستعمل في الامتنان بالتمكين والتخويل وليس أمراً له بأن يسعى بنفسه لسكنى الجنة إذ لا قدرة له على ذلك السعي فلا يكلف به. وضمير أنت واقع لأجل عطف { وزوجك } على الضمير المستتر في { اسكن } وهواستعمال العربية عند عطف اسم، على ضمير متصل مرفوع المحل لا يكادون يتركونه، يقصدون بذلك زيادة إيضاح المعطوف فتحصل فائدة تقرير مدلول المعطوف لئلا يكون تابعه المعطوف عليه أبرز منه في الكلام، فليس الفصل بمثل هذا الضمير مقيداً تأكيداً للنسبة لأن الإتيان بالضمير لازم لا خيرة للمتكلم فيه فلا يكون مقتضى حال ولا يعرف السامع أن المتكلم مريد به تأكيداً ولكنه لا يخلو من حصول تقرير معنى المضمر وهو ما أشار إليه في «الكشاف» بمجموع قوله وأنت تأكيد للضمير المستكن ليصح العطف عليه. والزوج كل شيء ثان مع شيء آخر بينهما تقارن في حال ما. ويظهر أنه اسم جامد لأن جميع تصاريفه في الكلام ملاحظ فيها معنى كونه ثاني اثنين أو مماثل غيره، فكل واحد من اثنين مقترنين في حالٍ ما يسمى زوجاً للآخر قال تعالىأو يزوجهم ذكراناً وإناثاً } الشورى 50 أي يجعل لأحد الطفلين زوجاً له أي سواه من غير صنفه، وقريب من هذا الاستعمال استعمال لفظ شفع. وسميت الأنثى القرينة للرجل بنكاح زوجاً لأنها اقترنت به وصيرته ثانياً، ويسمى الرجل زوجاً لها لذلك بلا فرق، فمن ثم لا يقال للمرأة زوجة بهاء تأنيث لأنه اسم وليس بوصف. وقد لحنوا الفرزدق في قوله
وإن الذي يَسعى ليُفسِد زوجتي كساعٍ إلى أُسْد الثرى يستبيلُها   
وتسامح الفقهاء في إلحاق علامة التأنيث للزوج إذا أرادوا به امرأة الرجل لقصد نفي الالتباس في تقرير الأحكام في كتبهم في مثل قولهم القول قول الزوج، أو القول قول الزوجة وهو صنيع حسن. وفي «صحيح مسلم» عن أنس بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه يا فلان فجاء فقال له هذه زوجتي فلانة " الحديث، فقوله زوجتي بالتاء فتعين كونه من عبارة راوي الحديث في السند إلى أنس وليست بعبارة النبي صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3 4 5