الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

{ قَالَ يَـاءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ }. لما دخل هذا القول في جملة المحاورة جردت الجملة من الفاء أيضاً كما تقدم في نظائره لأنه وإن كان إقبالاً بالخطاب على غير المخاطَبين بالأقوال التي قبله فهو بمثابة خطاب لهم لأن المقصود من خطاب آدم بذلك أن يَظهر عقبَه فضلُه عليهم في العلم من هاته الناحية فكانَ الخطاب بمنزلة أن يكون مسوقاً إليهم لقوله عقب ذلك { قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض }. وابتداء خطاب آدم بندائه مع أنه غير بعيد عن سماع الأمر الإلٰهي للتنويه بشأن آدم وإظهار اسمه في الملأ الأعلى حتى ينال بذلك حسن السمعة مع ما فيه من التكريم عند الآمر لأن شأن الآمر والمخاطِب ـــ بالكسر ـــ إذا تلطف مع المخاطَب ـــ بالفتح ـــ أن يذكر اسمه ولا يقتصر على ضمير الخطاب حتى لا يساوي بخطابه كل خطاب، ومنه ما جاء في حديث الشفاعة بعد ذكر سجود النبي وحمده الله بمحامد يلهمه إياها فيقول «يا محمد ارفع رأسك سل تُعْطَ واشفع تشفَّع» وهذه نكتة ذكر الاسم حتى في أثناء المخاطبة كما قال امرؤ القيس
أفاطم مهلاً بعضَ هذا التدلل   
وربما جعلوا النداء طريقاً إلى إحضار اسمه الظاهر لأنه لا طريق لإحضاره عند المخاطبة إلا بواسطة النداء فالنداء على كل تقدير مستعمل في معناه المجازي. { فَلَمَّآ أَنبَأَهُم بِأَسْمَآئِهِم }. الإنباء إخبارهم بالأسماء، وفيه إيماء بأن المخبر به شيء مهم. والضمير المجرور بالإضافة ضمير المسميات مثل ضمير { عرضهم } ، وفي إجرائه على صيغة ضمائر العقلاء ما قرر في قولهثم عرضهم } البقرة 31. وقوله { فلما أنبأهم بأسمائهم } الضمير في أنبأ لآدم وفي قال ضمير اسم الجلالة وإنما لم يؤت بفاعله اسماً ظاهراً مع أنه جرى على غير من هو له أي جاء عقب ضمائر آدم في قوله { أنبئهم } و { أنبأهم } لأن السياق قرينة على أن هذا القول لا يصدر من مثل آدم. { قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاَْرْضِ }. جواب لما والقائل هو الله تعالى وهو المذكور في قولهوإذ قال ربك } البقرة 30 وعادت إليه ضمائرقال إني أعلم } البقرة 30 وعلّم } البقرة 31 و { عرضهم } وما قبله من الضمائر وهو تذكير لهم بقوله لهم في أول المحاورة { إني أعلم ما لا تعلمون } وذلك القول وإن لم يكن فيه { أعلم غيب السمٰوات والأرض } صراحة إلا أنه يتضمنه لأن عموم { ما لا تعلمون } يشمل جميع ذلك فيكون قوله هنا { إني أعلم غيب السمٰوات والأرض } بياناً لما أجمل في القول الأول لأنه يساويه ما صدقا لأن { ما لا تعلمون } هو غيب السموات والأرض وقد زاد البيان هنا على المبين بقوله { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }.

السابقالتالي
2 3