الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

تَخيير في التشبيه على طريقة التشبيه، وقد تقدم بيانها عند قوله تعالىأو كصيب من السماء } البقرة 19 لأنّ قولهألم تر إلى الذي حاجَ إبرهيم } البقرة 258 في معنى التمثيل والتشبيه كما تقدم، وهو مراد صاحب «الكشاف» بقوله «ويجوز أن يحمل على المعنى دون اللفظ كأنه قيل أرأيت كالذي حاجَّ أو كالذي مرَّ» وإذ قد قرّر بالآية قبلها ثبوت انفراد الله بالإلاٰهية، وذلك أصل الإسلام، أعقب بإثبات البعث الذي إنكاره أصل أهل الإشراك. واعلم أنّ العرب تستعمل الصيغتين في التعجّب يقولون ألم تر إلى كذا، ويقولون أرأيتَ مثل كذا أو ككَذا، وقد يقال ألم تر ككذا لأنّهم يقولون لم أر كاليوم في الخير أو في الشر، وفي الحَديث «فلم أَره كاليوم مَنْظَرا قط»، وإذا كان ذلك يقال في الخير جاز أن يدخل عليه الاستفهام فتقول ألم تر كاليوم ــــــ في الخير والشر ــــــ، وحيث حذف الفعل المستفهَم عنه فلك أن تقدره على الوجهين، ومال صاحب «الكشاف» إلى تقديره أرأيتَ كالذي لأنّه الغالب في التعجّب مع كاف التشبيه. والذي مر على قريةٍ قيل هو أرْمِيَا بن حلقيا، وقيل هو عُزَير بن شرخيا عزرا بن سَرَّيَّا. والقرية بيت المقدس في أكثر الأقوال، والذي يظهر لي أنّه حزقيال ابن بوزي نبيء إسرائيل كان معاصراً لأرميا ودانيال وكان من جملة الذين أسرهم بختنصر إلى بابل في أوائل القرن السادس قبل المسيح، وذلك أنه لما رأى عزم بختنصر على استئصال اليهود وجمعه آثار الهيكل ليأتي بها إلى بابل، جمع كتب شريعة موسى وتابوتَ العهد وعصَا موسى ورماها في بئر في أورشليم خشية أن يحرقها بختنصر، ولعله اتّخذ علامة يعرفها بها وجعلها سراً بينه وبين أنبياء زمانِه وورثتهم من الأنبياء. فلما أخرج إلى بابل بقي هنالك وكتب كتاباً في مَراءً رآها وَحْيا تدل على مصائب اليهودِ وما يرجى لهم من الخلاص، وكان آخر ما كتبه في السنة الخامسة والعشرين بعد سبي اليهود، ولم يعرف له خبر بعدُ كما ورد في تاريخهم، ويظن أنّه مات أو قُتل. ومن جملة ما كتبه «أخْرَجَنِي روحُ الرب وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظاماً كثيرة وأمّرَني عليها وإذا تلك البقعة يابسة فقال لي أتَحيَى هذه العظامُ؟ فقلت يا سيدي الرّب أنتَ تعلم. فقال لي تنبأْ على هذه العظام وقل لها أيتها العظام اليابسة اسمعي كلمة الرب قال ها أنا ذا أدخل فيكم الروح وأضع عليكم عصباً وأكسوكم لحماً وجلداً. فتنبأت، كما أمرني فتقاربتْ العظام كل عظم إلى عظمه، ونظرت وإذا باللحم والعصب كساها وبسط الجلد عليها من فوق ودخل فيهم الروح فحيُوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جداً».

السابقالتالي
2 3