وقع قوله { الله ولي الذين آمنوا } الآية موقع التعليل لقوله{ لا انفصام لها } البقرة 256 لأنّ الذين كفروا بالطاغوت وآمنوا بالله قد تولّوا الله تعالى فصار وليّهم، فهو يقدّر لهم ما فيه نفعهم وهو ذبّ الشبهات عنهم، فبذلك يستمر تمسّكهم بالعروة الوثقى ويأمنون انفصامها، أي فإذا اختار أحد أن يكون مسلماً فإنّ الله يزيده هدى. والولي الحَليف فهو ينصر مولاه. فالمراد بالنور نور البرهان والحق، وبالظلمات ظلمات الشبهات والشك، فالله يزيد الذين اهتدوا هدى لأنّ اتِّباعهم الإسلام تيسير لطرق اليقين فهم يزدادون توغّلا فيها يوماً فيوماً، وبعكسهم الذين اختاروا الكفر على الإسلام فإنّ اختيارهم ذلك دل على ختم ضُرب على عقولهم فلم يهتدوا، فهم يزدادون في الضلال يوماً فيوماً. ولأجل هذا الازدياد المتجدّد في الأمرين وقع التعبير بالمضارع في " يخرجهم ــ ويخرجونهم " وبهذا يتضّح وجه تعقيب هذه الآيات بآية{ ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم } البقرة 258 ثم بآية{ أوْ كالذي مر على قرية } البقرة 259 ثم بآية { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تُحْيي الموتى } فإنّ جميعها جاء لبيان وجوه انجلاء الشك والشبهات عن أولياء الله تعالى الذين صدق إيمانهم، ولا داعي إلى ما في «الكشاف» وغيره من تأويل الذين آمنوا والذين كفروا بالذين أرادوا ذلك، وجَعْل النور والظلمات تشبيهاً للإيمان والكفر، لِما علمت من ظهور المعنى بما يدفع الحاجة إلى التأويل بذلك، ولا يحسن وقعُه بعدَ قوله { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله } ، ولِقوله { والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات } فإنّه متعينّ للحمل على زيادة تضليل الكافر في كفره بمزيد الشك كما في قوله{ فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله } هود 101 إلى قوله{ وما زادوهم غير تتبيب } هود 101، ولأن الطاغوت كانوا أولياء للذين آمنوا قبل الإيمان فإنّ الجميع كانوا مشركين، وكذلك ما أطال به فخر الدين من وجود الاستدلال على المعتزلة واستدلالهم علينا. وجملة يخرجهم خبر ثانٍ عن اسم الجلالة. وجملة يخرجونهم حال من الطاغوت. وأعيد الضمير إلى الطاغوت بصيغة جمع العقلاء لأنّه أسند إليهم ما هو من فِعل العقلاء وإن كانوا في الحقيقة سبب الخروج لا مُخرجين. وتقدم الكلام على الطاغوت عند قوله تعالى{ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى } البقرة 256.