الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

أعاد الفعل في قوله { وقال لهم نبيهم } للدلالة على أن كلامه هذا ليس من بقية كلامه الأول، بل هو حديث آخر متأخر عنه وذلك أنه بعد أن حذرهم عواقب الحكومة الملكية وحذرهم التولي عن القتال، تكلم معهم كلاماً آخَرَ في وقت آخر. وتأكيدُ الخبر بإنَّ إيذان بأن من شأن هذا الخبر أن يُتلقى بالاستغراب والشك، كما أنبأ عنه قولهم { أنى يكون له الملك علينا }. ووقع في سفر صمويل في الإصحاح التاسع أنه لما صمم بنو إسرائيل في سؤالهم أن يعين لهم مِلكاً، صلى لله تعالى فأوحى الله إليه أنْ أجبْهم إلى كل ما طلبوه، فأجابهم وقال لهم اذهبوا إلى مدنكم، ثم أوحى الله إليه صفة الملك الذي سيعينه لهم، وأَنه لقيه رجل من بنيامين اسمه شَاول بن قيس، فوجد فيه الصفة وهي أنه أطول القوم، ومسَحَهُ صمويلُ ملكاً على إسرائيل، إذْ صب على رأسه زيتاً، وقبَّله وجمع بني إسرائيل بعد أيام في بلد المصفاة وأحضره وعينه لهم ملكاً، وذلك سنة 1095 قبل المسيح. وهذا الملك هو الذي سمي في الآية طالوت وهو شاول وطالوت لقبهُ، وهو وزن اسم مصدر من الطول، على وزن فعَلُوت مثل جَبَروت ومَلكوت ورَهَبوت ورغَبوت ورحموت، ومنه طاغوت أصله طَغَيُوت فوقع فيه قلب مكاني، وطالوت وصف به للمبالغة في طول قامته، ولعله جعل لقباً له في القرآن للإِشارة إلى الصفة التي عرف بها لصمويل في الوحي الذي أوحى الله إليه كما تقدم، ولمراعاة التنظير بينه وبين جالوت غريمه في الحرب، أو كان ذلك لقباً له في قومه قبلَ أن يؤتى الملك، وإنما يلقب بأمثال هذا اللقب من كان من العموم. ووزن فَعَلوت وزن نادر في العربية ولعله من بقايا العربية القديمة السامية، وهذا هو الذي يؤذن به منعه من الصرف، فإن منعه من الصرف لا علة له إلاّ العلمية والعجمة، وجزم الراغب بأنه اسم عجمي ولم يُذكر في كتب اللغة لذلك ولعله عومل معاملة الاسم العجمي لمَّا جُعل علماً على هذا العَجمي في العربية، فعُجمته عارضة وليس هو عجمياً بالأصالة، لأنه لم يعرف هذا الاسم في لغة العبرانيين كداوود وشاوول، ويجوز أن يكون منعه من الصرف لمصيره بالإبدال إلى شبه وزن فاعُول، ووزنُ فاعول في الأعلام عجمي، مثل هاروت وماروت وشاوول وداوود، ولذلك منعوا قابوس من الصرف، ولم يعتدوا باشتقاقه من القبس، وكأنَّ عدول القرآن عن ذكره باسمه شاول لثقل هذا اللفظ وخفة طالوت. وأَنَّى في قوله { أنى يكون له الملك علينا } بمعنى كيف، وهو استفهام مستعمل في التعجب، تعجبوا من جعل مِثله ملكاً، وكان رجلاً فلاحاً من بيت حقير، إلاّ أنه كان شجاعاً، وكان أطول القوم، ولما اختاره صمويل لذلك، فتح الله عليه بالحكمة، وتنبأ نبوءات كثيرة، ورضيت به بعض إسرائيل، وأباه بعضهم، ففي سفر صمويل أن الذين لم يرضَوا به هم بنو بليعال والقرآن ذكر أن بني إسرائيل قالوا أنى يكون له الملك علينا وهو الحق لأنهم لا بد أن يكونوا قد ظنوا أن مَلكهم سيكون من كبرائهم وقوادهم.

السابقالتالي
2 3