الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

انتقال إلى بيان عدة الوفاة بعد الكلام عن عدة طلاق وما اتصل بذلك من أحكام الإرضاع عقب الطلاق، تقصيا لما به إصلاح أحوال العائلات، فهو عطف قصة على قصة. ويتوفون مبني للمجهول، وهو من الأفعال التي التزمت العرب فيها البناء للمجهول مثل عني واضطر، وذلك في كل فعل قد عرف فاعله ما هو، أو لم يعرفوا له فاعلاً معيناً. وهو من توفاه الله أو توفاه الموت فاستعمال التوفي منه مجاز، تنزيلاً لعمر الحي منزلة حق للموت، أو لخالق الموت، فقالوا توفى فلان كما يقال توفى الحق ونظيره قبض فلان، وقبض الحق فصار المراد من توفى مات، كما صار المراد من قبض وشاع هذا المجاز حتى صار حقيقة عرفية وجاء الإسلام فقال الله تعالىالله يتقى الأنفس } الزمر 42 وقالحتى يتوفاهن الموت } النساء 15 وقالقل يتوفاكم ملك الموت } السجدة 11 فظهر الفاعل المجهول عندهم في مقام التعليم أو الموعظة، وأبقي استعمال الفعل مبنياً للمجهول فيما عدا ذلك إيجازاً وتبعاً للاستعمال. وقوله { يتربصن بأنفسهن } خبر الذين وقد حصل الربط بين المبتدأ والخبر بضمير { يتربصن } ، العائد إلى الأزواج، الذي هو مفعول الفعل المعطوف على الصلة، فهن أزواج المتوفين لأن الضمير قائم مقام الظاهر، وهذا الظاهر قائم مقام المضاف إلى ضمير المبتدأ، بناء على مذهب الأخفش والكسائي من الاكتفاء في الربط بعود الضمير على اسم مضاف إلى مثل العائد، وخالف الجمهور في ذلك، كما في «التسهيل» و«شرحه»، ولذلك قدروا هنا ويذرون أزواجاً يتربصن بعدهم كما قالوا «السَّمْن مَنَوَانِ بِدِرْهَم» أي منه، وقيل التقدير وأزواج الذين يتوفون منكم إلخ يتربصن، بناء على أنه حذف لمضاف، وبذلك قدر في «الكشاف» داعي إليه كما قال التفتازاني، وقيل التقدير ومما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون منكم، ونقل ذلك عن سيبويه، فيكون { يتربصن } استئنافاً، وكلها تقديرات لا فائدة فيها بعد استقامة المعنى. وقوله { يتربصن بأنفسهن } تقدم بيانه عند قوله تعالىوالمطلقات يتربصن بأنفسهن } البقرة 228. وتأنيث اسم العدد في قوله { وعشراً } لمراعاة الليالي، والمراد الليالي بأيامها إذ لا تكون ليلة بلا يوم ولا يوم بلا ليلة، والعرب تعتبر الليالي في التاريخ والتأجيل، يقولون كتب لسبع خلون في شهر كذا، وربما اعتبروا الأيام كما قال تعالىفصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } البقرة 196 وقالأياماً معدودات } البقرة 184 لأن عمل الصيام إنما يظهر في اليوم لا في الليلة. قال في «الكشاف» والعرب تجري أحكام التأنيث والتذكير في أسماء الأيام إذا لم تجر على لفظ مذكور، بالوجهين قال تعالىيتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشراً نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوماً } طه 103 ــــ 104 فأراد بالعشر الأيام ومع ذلك جردها من علامة تذكير العدد، لأن اليوم يعتبر مع ليلته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8