الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

عطف على جملةفإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } البقرة 230 الآية عطف حكم على حكم، وتشريع على تشريع، لقصد زيادة الوصاة بحسن المعاملة في الاجتماع والفرقة، وما تبع ذلك من التحذير الذي سيأتي بيانه. وقوله { فبلغهن أجلهن } مؤذن بأن المراد وإذا طلقتم النساء طلاقاً فيه أجل. والأجل هنا لما أضيف إلى ضمير النساء المطلقات علم أنه أجل معهود بالمضاف إليه، أعني أجل الانتظار وهو العدة، وهو التربص في الآية السابقة. وبلوغ الأجل الوصول إليه، والمراد به هنا مشارفة الوصول إليه بإجماع العلماء لأن الأجل إذا انقضى زال التخيير بين الإمساك والتسريح، وقد يطلق البلوغ على مشارفة الوصول ومقاربته، توسعاً أي مجازاً بالأوْل. وفي القاعدة الخامسة من الباب الثامن من «مغني اللبيب» أن العرب يعبرون بالفعل عن أمور أحدها، وهو الكثير المتعارف عن حصول الفعل وهو الأصل. الثاني عن مشارفته نحووإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم } البقرة 240 أي يقاربون الوفاة، لأنه حينَ الوصية. الثالث إرادته نحوإذا قمتم إلى الصلوات فاغسلوا } المائدة 6. الرابع القدرة عليه نحووعداً علينا إنا كنا فاعلين } الأنبياء 104 أي قادرين. والأجل في كلام العرب يطلق على المدة التي يمهل إليها الشخص في حدوث حادث معين، ومنه قولهم ضرب له أجلاًأيما الأجلين قضيت } القصص 28. والمراد بالأجل هنا آخر المدة، لأن قوله { فبلغن } مؤذن بأنه وصول بعد مسير إليه، وأسند بلغن إلى النساء لأنهن اللاتي ينتظرن انقضاء الأجل، ليخرجن من حبس العدة، وإن كان الأجل للرجال والنساء معاً، للأوَّلين توسعة للمراجعة، وللأخيرات تحديداً للحِل للتزوج. وأضيف الأجل إلى ضمير النساء لهاته النكتة. والقول في الإمساك والتسريح مضى قريباً. وفي هذا الوجه تكرير الحكم المفاد بقوله تعالىفإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } البقرة 229 فأجيب عن هذا بما قاله الفخر إن الآية السابقة أفادت التخيير بين الإمساك والتسريح في مدة العدة، وهذه أفادت ذلك التخيير في آخر أوقات العدة، تذكيراً بالإمساك وتحريضاً على تحصيله، ويستتبع هذا التذكير الإشارة إلى الترغيب في الإمساك، من جهة إعادة التخيير بعد تقدم ذكره، وذكر التسريح هنا مع الإمساك، ليظهر معنى التخيير بين أمرين وليتوسل بذلك إلى الإشارة إلى رغبة الشريعة في الأمساك وذلك بتقديمه في الذكر إذ لو يذكر الأمران لما تأتى التقديم المؤذن بالترغيب وعندي أنه على هذا الوجه أعيد الحكم، وليبني عليه ما قصد من النهي عن الضرار وما تلا ذلك من التحذير والموعظة وذلك كله مما أبعد عن تذكره الجمل السابقة التي اقتضى الحال الاعتراض بها. وقوله { أو سرحوهن بمعروف } قيد التسريح هنا بالمعروف، وقيد في قوله السالف { أو تسريح بإحسان } ، بالإحسان للإشارة إلى أن الإحسان المذكور هنالك، هو عين المعروف الذي يعرض للتسريح، فلما تقدم ذكره لم يُحتج هنا إلى الفرق بين قيده وقيد الإمساك.

السابقالتالي
2 3