الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

تفريع مرتب على قولهالطلاق مرتان فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } البقرة 229 وما بينهما بمنزلة الاعتراض، على أن تقديمه يكسبه تأثيراً في تفريع هذا على جميع ما تقدم لأنه قد علم من مجموع ذلك أن بعد المرتين تخييراً بني المراجعة وعدمها، فرتب على تقدير المراجعة المعبر عنها بالإمساك { فإن طلقها } وهو يدل بطريق الاقتضاء على مقدر أي فإن راجعها فطلقها لبيان حكم الطلقة الثالثة. وقد تهيأ السامع لتلقي هذا الحكم من قولهالطلاق مرتان } البقرة 229 إذ علم أن ذلك بيان لآخر عدد في الرجعي وأن ما بعده بتات، فذكر قوله { فإن طلقها } زيادة في البيان، وتمهيد لقوله { فلا تحل له من بعد } إلخ فالفاء إما عاطفة لجملة { فإن طلقها } على جملةفإمساك } البقرة 229 باعتبار ما فيها من قوله { فإمساك } ، إن كان المراد من الإمساك المراجعة ومن التسريح عدمها، أي فإن أمسك المطلق أي راجع ثم طلقها، فلا تحل له من بعد، وهذا هو الظاهر، وإما فصيحة لبيان قولهأو تسريح بإحسان } البقرة 229، إن كان المراد من التسريح إحداث الطلاق، أي فإن ازداد بعد المراجعة فسرح فلا تحل له من بعد، وإعادة هذا على هذا الوجه ليرتب عليه تحريم المراجعة إلا بعد زوج، تصريحاً بما فهم من قوله { الطلاق مرتان } ويكون التعبير بالطلاق هنا دون التسريح للبيان وللتفنن على الوجهين المتقدمين، ولا يعوزك توزيعه عليهما، والضمير المستتر راجع للمطلق المستفاد من قوله { الطلاق مرتان } والضمير المنصوب راجع للمطلقة المستفادة من الطلاق أيضاً، كما تقدم في قولهإلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } البقرة 229. والآية بيان لنهاية حق المراجعة صراحة، وهي إما إبطال لما كانوا عليه في الجاهلية وتشريع إسلامي جديد، وإما نسخ لما تقرر أول الإسلام إذا صح ما رواه أبو داود في «سننه»، في باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث، عن ابن عباس «أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً فنسخ ذلك ونزل { الطلاق مرتان }. ولا يصح بحال عطف قوله { فإن طلقها } على جملةولا يحل لكم أن تأخذوا } البقرة 229، ولا صدق الضميرين على ما صدقت عليه ضمائر { إلا أن يخافا ألا يقيما } ، و { فلا جناح عليهما } لعدم صحة تعلق حكم قوله تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } بما تعلق به حكم قولهولا يحل لكم أن تأخذوا } البقرة 229 إلخ إذ لا يصح تفريع الطلاق الذي لا تحل بعده المرأة على وقوع الخلع، إذ ليس ذلك من أحكام الإسلام في قول أحد، فمن العجيب ما وقع في «شرح الخطابي على سنن أبي داود» أن ابن عباس احتج لكون الخلع فسخاً بأن الله ذكر الخلع ثم أعقبه بقوله { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } الآية قال

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7