الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

عطف على الجملة قبلها لشدة المناسبة وللاتحاد في الحكم وهو التربص، إذ كلاهما انتظار لأجل المراجعة، ولذلك لم يقدم قولهوَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَـٰثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِىۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلَـٰحاً } البقرة 229 على قوله { والمطلقات يتربصن } لأن هذه الآي جاءت متناسقة منتظمة على حسب مناسبات الانتقال على عادة القرآن في إبداع الأحكام وإلقائها بأسلوب سَهل لا تسْأَم له النفس، ولا يجيء على صورة التعليم والدرس. وسيأتي كلامنا على الطلاق عند قوله تعالى { الطلاق مرتان }. وجملة { والمطلقات يتربصن } خبرية مراد بها الأمر، فالخبر مستعمل في الإنشاء وهو مجاز فيجوز جعله مجازاً مرسلاً مركباً، باستعمال الخبر في لازم معناه، وهو التقرر والحصول، وهو الوجه الذي اختاره التفتازاني في قوله تعالىأفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار } الزمر 19 بأن يكون الخبر مستعملاً في المعنى المركب الإنشائي، بعلاقة اللزوم بين الأمر مثلاً كما هنا وبين الامتثال، حتى يقدر المأمور فاعلاً فيخبر عنه ويجوز جعله مجازاً تمثيلياً كما اختاره الزمخشري في هذه الآية إذ قال «فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص فهو يخبر عنه موجوداً، ونحوه قولهم في الدعاء " رحمه الله ثقة بالاستجابة» قال التفتازاني فهو تشبيه ما هو مطلوب الوقوع بما هو محقق الوقوع في الماضي كما في قول الناس رحمه الله، أو في المستقبل، أو الحال، كما في هذه الآية. قلت وقد تقدم في قوله تعالىفلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } البقرة 197 وأنه أُطلق المركب الدال على الهيئة المشبه بها على الهيئة المشبهة. والتعريف في المطلقات تعريف الجنس، وهو مفيد للاستغراق، إذ لا يصلح لغيره هنا. وهو عام في المطلقات ذوات القروء بقرينة قوله { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ، إذ لا يتصور ذلك في غيرهن، فالآية عامة في المطلقات ذوات القروء، وليس هذا بعام مخصوص في هذه، بمتصل ولا بمنفصل، ولا مراد به الخصوص، بل هو عام في الجنس الموصوف بالصفة المقدرة التي هي من دلالة الاقتضاء، فالآية عامة في المطلقات ذوات القروء، وهي مخصصة بالحرائر دون الإماء، فأخرجت الإماء بما ثبت في السنة أن عدة الأمة حيضتان، رواه أبو داود والترمذي، فهي شاملة لجنس المطلقات ذوات القروء، ولا علاقة لها بغيرهن من المطلقات، مثل المطلقات اللاتي لسن من ذوات القروء، وهن النساء اللاتي لم يبلغن سن المحيض، والآيسات من المحيض، والحوامل، وقد بين حكمهن في سورة الطلاق، إلاّ أنها يخرج عن دلالتها المطلقات قبل البناء من ذوات القروء، فهن مخصوصات من هذا العموم بقوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد