الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

جملة معطوفة على جملةنساؤكم حرث لكم } البقرة 223 عطف تشريع على تشريع فالمناسبة بين الجملتين تعلق مضمونيهما بأحكام معاشرة الأزواج مع كون مضمون الجملة الأولى منعاً من قربان الأزواج في حالة الحيض، وكون مضمون هذه الجملة تمهيداً لجملةللذين يؤلون من نسائهم } البقرة 226، فوقع هذا التمهيد موقع الاعتراض بين جملة { نساؤكم حرث لكم } ، وجملة { للذين يؤلون من نسائهم } وسلك فيه طريق العطف لأنه نهي عطف على نهي في قولهولا تقربوهن حتى يطهرن } البقرة 222.w وقال التفتازاني الأظهر أنه معطوف على مقدر أي امتثلوا ما أمرت به ولا تجعلوا الله عرضة اهـ. وفيه تكلف وخلو عن إبداء المناسبة، وجوز التفتازاني أن يكون معطوفاً على الأوامر السابقة وهيوقدموا } البقرة 223واتقوا } البقرة 223واعلموا أنكم ملٰقوه } البقرة 223 اهـ أي فالمناسبة أنه لما أمرهم باستحضار يوم لقائه بين لهم شيئاً من التقوى دقيق المسلك شديد الخفاء وهو التقوى باحترام الاسم المعظم فإن التقوى من الأحداث التي إذا تعلقت بالأسماء كان مفادها التعلق بمسمى الاسم لا بلفظه، لأن الأحكام اللفظية إنما تجري على المدلولات إلا إذا قام دليل على تعلقها بالأسماء مثل سميته محمداً، فجىء بهذه الآية لبيان ما يترتب على تعظيم اسم الله واتقائه في حرمة أسمائه عند الحنث مع بيان ما رخص فيه من الحنث، أو لبيان التحذير من تعريض اسمه تعالى للاستخفاف بكثرة الحلف حتى لا يضطر إلى الحنث على الوجهين الآتيين، وبعد هذا التوجيه كله فهو يمنع منه أن مجيء قوله تعالىواتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه } البقرة 223 مجيء التذييل للأحكام السابقة مانع من اعتبار أن يعطف عليه حكم معتد به، لأنه يطول به التذييل وشأن التذييل الإيجاز. وقال عبد الحكيم معطوف على جملةقل } البقرة 222 بتقدير قل أي وقل لا تجعلوا الله عرضة أو على قولهوقدموا } البقرة 223 إن جعل قوله { وقدموا } من جملة مقول { قل }. وذكر جمع من المفسرين عن ابن جريج أنها نزلت حين حلف أبو بكر الصديق ألا ينفق على قريبه مِسطح بن أثاثة لمشاركته الذين تكلموا بخبر الإفك عن عائشة رضي الله عنها، وقال الواحدي عن الكلبي نزلت في عبد الله بن رواحة حلف ألا يكلِّم خَتَنه على أخته بشير بن النعمان ولا يدخل بيته ولا يصلح بينه وبين امرأته، وأياً ما كان فواو العطف لا بد أن تربط هذه الجملة بشيء من الكلام الذي قبلها. وتعليق الجعل بالذات هنا هو على معنى التعليق بالاسم، فالتقدير ولا تجعلوا اسم الله، وحذف لكثرة الاستعمال في مثله عند قيام القرينة لظهور عدم صحة تعلق الفعل بالمسمى كقول النابغة
حَلفت فلم أترك لنفسك ريبةً وليس وراءَ اللَّهِ للمرء مذهب   
أي وليس بعد اسم الله للمرء مذهب للحلف.

السابقالتالي
2 3 4