الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }

المناسبة أن القتال من البأساء التي في قولهولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء } البقرة 214 فقد كلفت به الأمم قبلنا، فقد كلفت بنو إسرائيل بقتال الكنعانيين مع موسى - عليه السلام -، وكلفوا بالقتال مع طالوت وهو شاول مع داود، وكلف ذو القرنين بتعذيب الظالمين من القوم الذين كانوا في جهة المغرب من الأرض. ولفظ { كتب عليكم } من صيغ الوجوب وقد تقدم في آية الوصية. وأل في القتال للجنس، ولا يكون القتال إلا للأعداء فهو عام عموماً عرفياً أي كتب عليكم قتال عدو الدين. والخطاب للمسلمين، وأعداؤهم يومئذ المشركون، لأنهم خالفوهم في الدين وآذوا الرسول والمؤمنين، فالقتال المأمور به هو الجهاد لإعلاء كلمة الله، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مأذون في القتال في أول ظهور الإسلام، ثم أذن له في ذلك بقوله تعالىأذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } الحج 39، ثم نزلت آية قتال المبادئين بقتال المسلمين في قوله تعالىوقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } البقرة 190 كما تقدم آنفاً. هذه الآية نزلت في واقعة سرية عبد الله بن جَحش كما يأتي، وذلك في الشهر السابع عشر من الهجرة، فالآية وردت في هذه السورة مع جملة التشريعات والنظم التي حوتها كقولهكتب عليكم الصيام } البقرة 183،كتب عليكم القصاص } البقرة 178،كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } البقرة 180. فعلى المختار يكونُ قوله { كتب عليكم القتال } خبراً عن حكم سبق لزيادة تقريره ولينتقل منه إلى قوله { وهو كره لكم } الآية، أو إعادة لإنشاء وجوب القتال زيادة في تأكيده، أو إنشاءً أُنُفاً لوجوب القتال إن كانت هذه أول آية نزلت في هذا المعنى بناء على أن قوله تعالى { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } إذْن في القتال وإعداد له وليست بموجبة له. وقوله { وهو كره لكم } ، حال لازمة وهي يجوز اقترانها بالواو، ولك أن تجعلها جملة ثانية معطوفة على جملة { كُتب عليكم القتال } ، إلا أن الخبر بهذا لما كان معلوماً للمخاطبين تعين أن يكون المراد من الإخبار لازم الفائدة، أعني كتبناه عليكم ونحن عالمون أنه شاق عليكم، وربما رجح هذا الوجه بقوله تعالى بعد هذا { والله يعلم وأنتم لا تعلمون }. والكره بضم الكاف الكراهية ونفرة الطبع من الشيء ومثله الكَره بالفتح على الأصح، وقيل الكُره بالضم المشقة ونفرة الطبع، وبالفتح هو الإكراه وما يأتي على الإنسان من جهة غيره من الجبر على فعل مَّا بأذى أو مشقة، وحيث قُرىء بالوجهين هنا وفي قوله تعالىحملته أمه كرها ووضعته كرها } الأحقاف 15 ولم يكن هنا ولا هنالك معنى للإكراه تعين أن يكون بمعنى الكراهية وإباية الطبع كما قال الحماسي العُقَيلي

السابقالتالي
2 3 4