استئناف ابتدائي لابتداء جواب عن سؤال سأله بعض المسلمين النبي - صلى الله عليه وسلم - روى الواحدي عن ابن عباس أن السائل عَمْرو بن الجَمُوح الأنصاري، وكان ذا مال فقال يا رسول الله بماذا يُتصدق وعلى مَن يُنْفَق؟ وقال ابن عطية السائلون هم المؤمنون يعني أنه تكرر السؤال عن تفصيل الإنفاق الذي أمروا به غير مرة على الإجمال، فطلبوا بيان من ينفق عليهم وموقع هذه الآية في هذا الموضع إما لأن نزولها وقع عقب نزول التي قبلها وإما لأمر بوضعها في هذا الموضع جمعاً لطائفة من الأحكام المفتتحة بجملة { يسألونك } وهي ستة أحكام. ثم قد قيل إنها نزلت بعد فرض الزكاة، فالسؤال حينئذ عن الإنفاق المتطوع به وهي محكمة وقيل نزلت قبل فرض الزكاة فتكون بياناً لمصارف الزكاة ثم نسخت بآية{ إنما الصدقات للفقراء والمساكين } الآية في سورة براءة 60، فهو بتخصيص لإخراج الوالدين والأقربين واليتامى، وإن كانوا من غير الأصناف الثمانية المذكورة في آية براءة. و { ماذا } استفهام عن المنفق بفتح الفاء ومعنى الاستفهام عن المنفق السؤال عن أحواله التي يقع بها موقع القبول عند الله، فإن الإنفاق حقيقة معروفة في البشر وقد عرفها السائلون في الجاهلية. فكانوا في الجاهلية ينفقون على الأهل وعلى الندامى وينفقون في الميسر، يقولون فلان يتمم أيساره أي يدفع عن أيساره أقساطهم من مال المقامرة ويتفاخرون بإتلاف المال. فسألوا في الإسلام عن المعتدِّ به من ذلك دون غيره، فلذلك طابق الجوابُ السؤال إذ أجيب { قُل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين } ، فجاء ببيان مصارف الإنفاق الحق وعرف هذا الجنس بمعرفة أفراده، فليس في هذا الجواب ارتكاب الأسلوب الحكيم كما قيل، إذ لا يعقل أن يسألوا عن المال المنفق بمعنى السؤال عن النوع الذي ينفق من ذهب أم من ورق أم من طعام، لأن هذا لا تتعلق بالسؤال عنه أغراض العقلاء، إذ هم يعلمون أن المقصد من الإنفاق إيصال النفع للمنفق عليه، فيتعين أن السؤال عن كيفيات الإنفاق ومواقعه، ولا يريبكم في هذا أن السؤال هنا وقع بما وهي يسأل بها عن الجنس لا عن العوارض، فإن ذلك اصطلاح منطقي لتقريب ما ترجموه من تقسيمات مبنية على اللغة اليونانية وأخذ به السكاكي، لأنه يحفل باصطلاح أهل المنطق وذلك لا يشهد له الاستعمال العربي. والخير المال كما تقدم في قوله تعالى{ إن ترك خيراً } البقرة 180 آية الوصية. و { ما أنفقتم } شرط، ففعل { أنفقتم } مراد به الاستقبال كما هو مقتضى الشرط، وعبر بالماضي لإظهار الرغبة في حصول الشرط فينزل كالحاصل المتقرر. واللام في { للوالدين } للمِلْك، بمعنى الاستحقاق أي فالحقيق به الوالدين أي إن تنفقوا فأنفقوا للوالدين أو أعطوا للوالدين، وقد تقدم بيانهم في قوله تعالى