الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

معطوف علىفاذكروا الله كذكركم آباءكم } البقرة 200 وما بينهما اعتراض، وإعادة فعل { اذكروا } ليبنى عليه تعليق المجرور أي قوله { في أيام معدودات } لبعد متعلقه وهو { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } ، لأنه أريد تقييد الذكر بصفته ثم تقييدُه بزمانه ومكانه. فالذكر الثاني هو نفس الذكر الأول وعطفه عليه منظور فيه إلى المغايرة بما علق به من زمانه. والأيام المعدودات أيام منى، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، يقيم الناس فيها بمنى وتسمى أيام التشريق، لأن الناس يقددون فيها اللحم، والتقديد تشريق، أو لأن الهدايا لا تنحر فيها حتى تشرق الشمس. وكانوا يعلمون أن إقامتهم بمنى بعد يوم النحر بعد طواف الإفاضة ثلاثة أيام فيعلمون أنها المراد هنا بالأيام المعدودات، ولذلك قال جمهور الفقهاء الأيام المعدودات أيام منى وهي بعد اليوم العاشر وهو قول ابن عمر ومجاهد وعطاء وقتادة والسدي والضحاك وجابر بن زيد ومالك، وهي غير المراد من الأيام المعلومات التي في قوله تعالىويذكروا اسم الله في أيام معلومات } في سورة الحج 28. فالأيام المعلومات أيام النحر الثلاثة، وهي اليوم العاشر ويومان بعده. والمعدودات أيام منى بعد يوم النحر، فاليوم العاشر من المعلومات لا من المعدودات، واليومان بعده من المعلومات والمعدودات، واليوم الرابع من المعدودات فقط، واحتجوا على ذلك بقوله تعالىويذكروا اسم الله في إيام معلومات على رزقهم من بهيمة الأنعام } الحج 28 لأن اليوم الرابع لا نحر فيه ولا ذَبح إجماعاً، وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن لا فرق بين الأيام المعلومات والأيام المعدودات وهي يوم النحر ويومان بعده فليس اليوم الرابع عندهما معلوماً ولا معدوداً، وعن الشافعي الأيام المعلومات من أول ذي الحجة حتى يوم النحر وما بعد ذلك معدودات، وهو رواية عن أبي حنيفة. ودلت الآية على طلب ذكر الله تعالى في أيام رمي الجمار وهو الذكر عند الرمي وعند نحر الهدايا. وإنما أمروا بالذكر في هذه الأيام، لأن أهل الجاهلية كانوا يشغلونها بالتفاخر ومغازلة النساء، قال العرجي
ما نَلتقِي إلاّ ثلاثَ مِنًى حَتَّى يُفَرِّقَ بينَنا النَّفْر   
وقال عمر بن أبي ربيعة
بَدَا لِيَ منها معصم حينَ جَمَّرَتْ وكَفٌّ خَضيبٌ زُيَّنَتْ بِبَنَان فوالله ما أَدري وإِنْ كُنْتُ دَارياً بسَبْعٍ رَمَيْتُ الجَمْرَ أمْ بِثَمَان   
لأنهم كانوا يرون أن الحج قد انتهى بانتهاء العاشر، بعد أن أمسكوا عن ملاذهم مدة طويلة فكانوا يعودون إليها، فأمرهم الله تعالى بذكر الله فيها، وذكرُ الله فيها هو ذكره عند رمي الجمار. والأيام المعدودات الثلاثة ترمى الجمار الثلاثة في كل يوم منها بعد الزوال يبتدأ بالجمرة التي تلي مسجد منى بسبع حصيات، ثم ترمى الجمرتان الأخريان كل جمرة بمثل ذلك ويكبر مع كل حصاة، وآخرها جمرة العقبة، وفي أحكام الرمي ووقته وعكس الابتداء فيه بجمرة مسجد منى والمبيت بغير منى خلافات بين الفقهاء.

السابقالتالي
2 3