الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ }

استئناف ابتدائي للإِعلام بتفصيل مناسك الحج، والذي أراه أن هذه الآيات نزلت بعد نزول قوله تعالىولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } في سورة آل عمران 97 فإن تلك الآية نزلت بفرض الحج إجمالاً، وهذه الآية فيها بيان أعماله، وهو بيان مؤخر عن المبين، وتأخير البيان إلى وقت الحاجة واقع غير مرة، فيظهر أن هذه الآية نزلت في سنة تسع، تهيئة لحج المسلمين مع أبي بكر الصديق. وبين نزول هذه الآية ونزول آيةوأتموا الحج والعمرة لله } البقرة 196 نحو من ثلاث سنين فتكون فيما نرى من الآيات التي أمر الرسول - عليه السلام - بوضعها في هذا الموضع من هذه السورة للجمع بين أعمال الحج وأعمال العمرة. وهي وصاية بفرائض الحج وسننه ومما يحق أن يراعى في أدائه، وذكر ما أراد الله الوصاية به من أركانه وشعائره. وقد ظهرت عناية الله تعالى بهذه العبادة العظيمة، إذ بسط تفاصيلها وأحوالها مع تغيير ما أدخله أهل الجاهلية فيها. ووصف الأشهر بمعلومات حوالة على ما هو معلوم للعرب من قبل، فهي من الموروثة عندهم عن شريعة إبراهيم، وهي من مبدأ شوال إلى نهاية أيام النحر، وبعضها بعض الأشهر الحرم، لأنهم حرموا قبل يوم الحج شهراً وأياماً وحرموا بعده بقية ذي الحجة والحرام كلّه، لتكون الأشهر الحرم مدة كافية لرجوع الحجيج إلى آفاقهم، وأما رجب فإنما حَرَّمته مُضر لأنه شهر العمرة. فقوله { الحج أشهر معلومات } أي في أشهر، لقوله بعده { فمن فرض فيهن الحج } ولك أن تقدر مدة الحج أشهر، وهو كقول العرب «الرطب شهرا ربيع». والمقصود من قوله { الحج أشهر } يحتمل أن يكون تمهيداً لقوله { فلا رفث ولا فسوق } تهويناً لمدة تر ك الرفث والفسوق والجدال، لصعوبة ترك ذلك على الناس، ولذلك قُللت بجمع القلة، فهو نظير ما روى مالك في «الموطأ» أن عائشة قالت لعروة بن الزبير يا ابن أختي إنما هي عشر ليال فإن تخلج في نفسك شيء فدعه، تعني أكل لحم الصيد، ويحتمل أن يكون تقريراً لما كانوا عليه في الجاهلية من تعيين أشهر الحج فهو نظير قولهإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً } التوبة 36 الآية، وقيل المقصود بيان وقت الحج ولا أَنثلج له. والأَشهر المقصودة هي شوال وذو القعدة وذو الحجة لا غير، وإنما اختلفوا في أن ذا الحجة كله شهر أو العشر الأوائل منه أو التسع فقط، أو ثلاثة عشر يوماً منه، فقال بالأول ابن مسعود وابن عمر والزهري وعروة بن الزبير وهو رواية ابن المنذر عن مالك، وقال بالثاني ابن عباس والسدي وأبو حنيفة وهو رواية ابن حبيب عن مالك.

السابقالتالي
2 3 4 5