الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ }

جملة { وقاتلوا } معطوفة على جملةوليس البر } البقرة 189 الخ، وهو استطراد دعا إليه استعداد النبي - صلى الله عليه وسلم - لعُمرة القضاء سنة ست وتوقعُ المسلمين غدر المشركين بالعهد، وهو قتال متوقع لقَصْد الدفاع لقوله { الذين يقاتلونكم } ، وهذه الآية أول آية نزلت في القتال وعن أبي بكر الصديق أول آية نزلت في الأمر بالقتال قوله تعالىأذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } في سورة الحج 39 ورجحه ابن العربي بأنها مكية وآية سورة البقرة مدنية. وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله أرسل عثمان بن عفان إلى أهل مكة فأرجف بأنهم قتلوه فبايع الناس والرسولَ على الموت في قتال العدو ثم انكشف الأمر عن سلامة عثمان. ونزول هذه الآيات عقب الآيات التي أشارت إلى الإحرام بالعمرة والتي نراها نزلت في شأن الخروج إلى الحديبية ينبىء بأن المشركين كانوا قد أضمروا ضد النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ثم أعرضوا عن ذلك لما رأوا تهيؤ المسلمين لقتالهم، فقوله تعالىولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } البقرة 191 إرشاد للمسلمين بما فيه صلاح لهم يومئذٍ، ألا ترى أنه لما انقضت الآيات المتكلمة عن القتال عاد الكلام إلى الغرض الذي فارقته وذلك قولهوأتموا الحج والعمرة لله } البقرة 196، الآيات على أنه قد وقع في صلح الحديبية ضرب مدة بين المسلمين والمشركين لا يقاتل فريق منهم الآخر فخاف المسلمون عام عمرة القضاء أن يغدر بهم المشركون إذا حلوا ببلدهم وألاّ يفوا لهم فيصدوهم عن العمرة فأمروا بقتالهم إن هم فعلوا ذلك. وهذا إذن في قتال الدفاع لدفع هجوم العدو ثم نزلت بعدها آية براءةوقاتلوا المشركين كافة } التوبة 36 ناسخة لمفهوم هذه الآية عند من يرى نسخ المفهوم ولا يرى الزيادة على النص نسخاً، وهي أيضاً ناسخة لها عند من يرى الزيادة على النص نسخاً ولا يرى نسخ المفهوم، وهي وإن نزلت لسبب خاص فهي عامة في كل حال يبادىء المشركون فيه المسلمين بالقتال، لأن السبب لا يخصص. وعن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد أن هاته الآية محكمة لم تنسخ، لأن المراد بالذين يقاتلوكم الذين هم متهيئون لقتالكم أي لا تقاتِلوا الشيوخ والنساء والصبيان، أي القيد لإخراج طائفة من المقاتلين لا لإخراج المحاجزين، وقيل المراد الكفار كلهم، فإنهم بصدد أن يقاتلوا. ذكره في «الكشاف»، أي ففعل { يقاتلونكم } مستعمل في مقارنة الفعل والتهيؤ له كما تقدم في قوله تعالىإن ترك خيراً } البقرة 180. والمقاتلة مفاعلة وهي حصول الفعل من جانبين، ولما كان فعلها وهو القتل لا يمكن حصوله من جانبين لأن أحد الجانبين إذا قتل لم يستطع أن يَقْتل كانت المفاعلة في هذه المادة بمعنى مفاعلة أسباب القتل أي المحاربة، فقوله { وقاتلوا } بمعنى وحاربوا والقتال الحرب بجميع أحوالها من هجوم ومنع سبل وحصار وإغارة واستيلاء على بلاد أو حصون.

السابقالتالي
2