الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

الجُملة معطوفة على الجمل السابقة المتعاطفة أي { لتكملوا العدة ولتكبروا... ولعلكم تشكرون } البقرة 185، ثم التَفَت إلى خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده لأنه في مقام تبليغ فقال { وإذا سألك عبادي عني } ، أي العباد الذين كان الحديث معهم، ومقتضى الظاهر أن يقال { ولعلكم تشكرون وتدعون فأستجيب لكم إلاّ أنه عدل عنه ليحصل في خلال ذلك تعظيمُ شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه يسأله المسلمون عن أمر الله تعالى، والإشارةُ إلى جواب من عسى أن يكونوا سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كيفية الدعاء هل يكون جهراً أو سراً، وليكون نظم الآية مؤذناً بأن الله تعالى بعد أن أمرهم بما يجب له عليهم أكرمهم فقال وإذا سألوا عن حقهم عليَّ فإني قريب منهم أجيب دعوتهم، وجُعل هذا الخير مرتباً على تقدير سؤالهم إشارة إلى أنهم يهجس هذا في نفوسهم بعد أن يسمعوا الأمر بالإكمال والتكبير والشكر أن يقولوا هل لنا جزاء على ذلك؟ وأنهم قد يحجمون عن سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك أدباً مع الله تعالى فلذلك قال تعالى وإذا سألك } الصريح بأن هذا سيقع في المستقبل. واستعمال مثل هذا الشرط مع مادة السؤال لقصد الاهتمام بما سيذكر بعده استعمال معروف عند البلغاء قال علقمة
فَإنْ تسأَلوني بالنِّساءِ فإنّني خَبير بِأَدْواءِ النساءِ طَبِيبُ   
والعلماء يفتتحون المسائل المهمة في كتبهم بكلمة فإن قلت وهو اصطلاح «الكشاف». ويؤيد هذا تجريد الجواب من كلمة قل التي ذكرت في مواقع السؤال من القرآن نحويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت } البقرة 189،ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير } البقرة 220، مع ما في هذا النظم العجيب من زيادة إخراج الكلام في صورة الحكم الكلي إذ جاء بحكم عام في سياق الشرط فقال { سألك عبادي } وقال { أجيب دعوة الداع } ولو قيل وليدعوني فأستجيب لهم لكان حكماً جزئياً خاصاً بهم، فقد ظهر وجه اتصال الآية بالآيات قبلها ومناسبتها لهن وارتباطها بهن من غير أن يكون هنالك اعتراض جملة. وقيل إنها جملة معترضة اقترنت بالواو بين أحكام الصيام للدلالة على أن الله تعالى مجازيهم على أعمالهم وأنه خبير بأحوالهم، قيل إنه ذكر الدعاء هنا بعد ذكر الشكر للدلالة على أن الدعاء يجب أن يسبقه الثناء. والعباد الذين أضيفوا إلى ضمير الجلالة هم المؤمنون لأن الآيات كلها في بيان أحكام الصوم ولوازمه وجزائه وهو من شعار المسلمين، وكذلك اصطلاح القرآن غالباً في ذكر العباد مضافاً لضمير الجلالة، وأما قوله تعالىءأنتم أضللتم عبادي هؤلاء } الفرقان 17 بمعنى المشركين فاقتضاه أنه في مقام تنديمهم على استعبادهم للأصنام.

السابقالتالي
2