الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قد علمت أن هذه الآيات تكملة للآيات السابقة وأن لا نسخ في خلال هاته الآيات، فقوله خبر مبتدأ محذوف تقديره هي أي الأيام المعدودات شهر رمضان، والجملة مستأنفة بيانياً، لأن قولهأياماً معدودات } البقرة 184 يثير سؤال السامع عن تعيين هذه الأيام، ويؤيد ذلك قراءة مجاهد { شهراً } بالنصب على البدلية من { أياماً } بدل تفصيل. وحذف المسند إليه جار على طريقة الاستعمال في المسند إليه إذا تقدم من الكلام ما فيه تفصيل وتبيين لأحوال المسند إليه فهم يحذفون ضميره، وإذا جَوَّزتَ أن يكون هذا الكلام نسخاً لصدر الآية لم يصح أن يكون التقدير هي شهر رمضان فيتعين أن يكون شهر رمضان مبتدأ خبرهم قوله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ، واقتران الخبر بالفاء حينئذٍ مراعاة لوصف المبتدأ بالموصول الذي هو شبيه بالشرط ومثله كثير في القرآن وفي كلام العرب، أو على زيادة الفاء في الخبر كقوله
وقائلةٍ خَوْلاَنُ فانكِحْ فَتاتهم   
أنشده سيبويه، وكلا هذين الوجهين ضعيف. والشهر جزء من اثني عشر جزءاً من تقسيم السنة قال تعالىإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السمٰوات والأرض } التوبة 36 والشهر يبتدىء من ظهور الهلال إلى المحاق ثم ظهور الهلال مرة أخرى، وهو مشتق من الشهرة لأن الهلال يظهر لهم فيشهرونه ليراه الناس فيثبت الشهر عندهم. ورمضان علم وليس منقولاً إذ لم يسمع مصدر على وزن الفَعلان من رمِض بكسر الميم إذا احترق لأن الفَعَلان، يدل على الاضطراب ولا معنى له هنا، وقيل هو منقول عن المصدر. ورمضان علَم على الشهر التاسع من أشهر السنة العربية القمرية المفتتحة بالمحرم فقد كان العرب يفتتحون أشهر العام بالمحرم لأن نهاية العام عندهم هي انقضاء الحج ومدة الرجوع إلى آفاقهم، ألا ترى أن لَبيداً جعل جمادى الثانية وهو نهاية فصل الشتاء شهراً سادساً إذ قال
حَتَّى إذا سَلخا جُمادى سِتَّةً جَزْءاً فطال صيامُه وصيامها   
ورمضان ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون لأنه مشتق من الرمضاء وهي الحرارة لأن رمضان أول أشهر الحرارة بناء على ما كان من النسيء في السنة عند العرب إذ كانت السنة تنقسم إلى ستة فصول كل فصل منها شهران الفصل الأول الخريف وشهراه محرم وصفر، الثاني ربيع الأول وهو وقت نضج الثمار وظهور الرُّطَب والتمر وشهراه شهرُ ربيع الأولُ وشهرُ ربيع الثاني على أن الأول والثاني وصف لشهر، ألا ترى أن العرب يقولون «الرطب شهري ربيع»، الثالث الشتاء وشهراه جمادى الأولى وجمادى الثانية قال حاتم
في ليلةٍ من جمادَى ذاتِ أَنْدَيةٍ لاَ يُبصِرُ الكَلْبُ مِن ظَلْمَائِها الطُّنُبَا لاَ يَنَبحُ الكلبُ فيها غيرَ واحِدَةٍ حتَّى يَلُفَّ علَى خَيشُومِهِ الذَّنبَا   

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7