استئناف ابتدائي هو كالخاتمة لتشويه أحوال أهل الشرك من أصول دينهم وفروعه التي ابتدأ الكلام فيها من قوله تعالى{ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة } البقرة 161 الآية، إذْ ذَكر كفرهم إجمالاً ثم أبطله بقوله{ وإلٰهكم إلٰه واحد } البقرة 163 واستدل على إبطاله بقوله{ إن في خلق السموات والأرض } البقرة 164 الآيات ثم وصف كفرهم بقوله{ ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله } البقرة 165، ووصف حالهم وحسرتهم يوم القيامة، فوصف هنا بعض مساوىء دين أهل الشرك فيما حرموا على أنفسهم مما أخرج الله لهم من الأرض، وناسب ذكره هنا أنه وقع بعد ما تضمنه الاستدلال على وحدانية الله والامتنان عليهم بنعمته بقوله{ إن في خلق السموات والأرض } البقرة 164 إلى قوله{ وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابةٍ } البقرة 164 الآية، وهو تمهيد وتلخيص لما يعقبه من ذكر شرائع الإسلام في الأطعمة وغيرها التي ستأتي من قوله تعالى{ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } البقرة 172. فالخطاب بيأيها الناس موجه إلى المشركين كما هو شأن خطاب القرآن بيأيها الناس. والأمر في قوله { كلوا مما في الأرض } مستعمل في التوبيخ على ترك ذلك وليس للوجوب ولا للإِباحة، إذ ليس الكفار بأهل للخطاب بفروع الشريعة فقوله { كلوا } تمهيد لقوله بعده { ولا تتبعوا خطوات الشيطان }. وقوله { حلالاً طيباً } تعريض بتحميقهم فيما أعنتوا به أنفسهم فحرَموها من نعم طيبة افتراء على الله، وفيه إيماء إلى علة إباحته في الإِسلام وتعليم للمسلمين بأوصاف الأفعال التي هي مناط الحِل والتحريم. والمقصود إبطال ما اختلقوه من منع أكل البَحِيرة، والسائبة، والوصيلة، والحامي، وما حكى الله عنهم في سورة الأنعام من قوله{ وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم } الأنعام 138 الآيات. قيل نزلت في ثقيف وبني عامر بن صعصعة وخزاعة وبني مدلج حرَّموا على أنفسهم من الأنعام أي مما ذكر في سورة الأنعام. ومِن في قوله { مما في الأرض } للتبعيض، فالتبعيض راجع إلى كون المأكول بعضاً من كل نوع وليس راجعاً إلى كون المأكول أنواعاً دون أنواع، لأنه يفوت غرض الآية، فما في الأرض عام خصصه الوصف بقوله { حلالاً طيباً } فخرجت المحرمات الثابت تحريمها بالكتاب أو السنة. وقوله { حلالاً طيباً } حالان من ما الموصولة، أولهما لبيان الحكم الشرعي والثاني لبيان علته لأن الطيب من شأنه أن تقصده النفوس للانتفاع به فإذا ثبت الطيب ثبتت الحلِّية لأن الله رفيق بعباده لم يمنعهم مما فيه نفعهم الخالص أو الراجح. والمراد بالطيب هنا ما تستطيبه النفوس بالإدراك المستقيم السليم من الشذوذ وهي النفوس التي تشتهي الملائم الكامل أو الراجح بحيث لا يعود تناوله بضر جثماني أو روحاني وسيأتي معنى الطيب لغة عند قوله تعالى