الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }

معطوف على جملةإن الذين كفروا وماتوا وهم كفار } البقرة 161. والمناسبة أنه لما ذكر ما ينالهم على الشرك من اللعنة والخلود في النار بين أن الذي كفروا به وأشركوا هو إلٰه واحد وفى هذا العطف زيادة ترجيح لما انتميناه من كون المراد من { الذين كفروا } المشركين لأن أهل الكتاب يؤمنون بإلٰه واحد. والخطاب بكاف الجمع لكل من يتأتى خطابه وقت نزول الآية أو بعده من كل قارىء للقرآن وسامع فالضمير عام، والمقصود به ابتداء المشركون لأنهم جهلوا أن الإلٰه لا يكون إلاّ واحداً. والإلٰه في كلام العرب هو المعبود ولذلك تعددت الآلهة عندهم وأطلق لفظ الإلٰه على كل صنم عبدوه وهو إطلاق ناشىء عن الضلال في حقيقة الإلٰه لأن عبادة من لا يغني عن نفسه ولا عن عابده شيئاً عبث وغلط، فوصف الإلٰه هنا بالواحد لأنه في نفس الأمر هو المعبود بحق فليس إطلاق الإلٰه على المعبود بحق نقلاً في لغة الإسلام ولكنه تحقيق للحق. وما ورد في القرآن من إطلاق جمع الآلهة على أصنامهم فهو في مقام التغليط لزعمهم نحوفلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون } الأحقاف 28، والقرينة هي الجمع، ولذلك لم يطلق في القرآن الإلٰه بالإفراد على المعبود بغير حق، وبهذا تستغنى عن إكداد عقلك في تكلفات تكلفها بعض المفسرين في معنى { وإلٰهكم إلٰه واحد }. والإخبار عن إلٰهكم بإلٰه تكرير ليجري عليه الوصف بواحد والمقصود وإلٰهكم واحد لكنه وسط لفظ { إلٰه } بين المبتدأ والخبر لتقرير معنى الألوهية في المخبر عنه كما تقول عالم المدينة عالم فائق وليجيء ما كان أصله مجيء النعت فيفيد أنه وصف ثابت للموصوف لأنه صار نعتاً إذ أصل النعت أن يكون وصفاً ثابتاً وأصل الخبر أن يكون وصفاً حادثاً، وهذا استعمال متبع في فصيح الكلام أن يعاد الاسم أو الفعل بعد ذكره ليبنى على وصف أو متعلق كقولهإلٰهاً واحداً } البقرة 133. وقولهوإذا باللغو مروا كراماً } الفرقان 27 وقد تقدم عند قوله تعالى... والتنكير في { إله } للنوعية لأن المقصود منه تقرير معنى الألوهية، وليس للإفراد لأن الإفراد استفيد من قوله { واحد } خلافاً لصاحب «المفتاح» في قوله تعالىإنما هو إله واحد } الأنعام 19 إذ جعل التنكير في { إلٰه } للإفراد وجعل تفسيره بالواحد بياناً للوحدة لأن المصير إلى الإفراد في القصد من التنكير مصير لا يختاره البليغ ما وجد عنه مندوحة. وقوله { لا إلٰه إلا هو } تأكيد لمعنى الوحدة وتنصيص عليها لرفع احتمال أن يكون المراد الكمال كقولهم في المبالغة هو نسيج وحده، أو أن يكون المراد إلٰه المسلمين خاصة كما يتوهمه المشركون ألا ترى إلى قول أبي سفيان «لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم».

السابقالتالي
2