الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

عُطف قولُه { ومن حيث خرجت } على قولهفول وجهك شطر المسجد الحرام } البقرة 144 عَطْف حكم على حكم من جنسِه للإعلام بأن استقبال الكعبة في الصلاة المفروضة لا تَهاوُن في القيام به ولو في حالة العذر كالسفر، فالمراد من { حَيث خرجتَ } من كل مكان خرجتَ مسافراً لأن السفر مظنة المشقة في الاهتداء لجهة الكعبة فربما يتوهم متوهم سقوط الاستقبال عنه، وفي معظم هاته الآية مع قوله { وإنه للحق من ربك } زيادةُ اهتمام بأمر القبلة يؤكد قوله في الآية السابقةالحق من ربك } البقرة 147. وقوله { وما الله بغافل عما تعملون } زيادة تحذير من التساهل في أمر القبلة. وقوله بعده { ومن حيث خرجت } عطف على الجملة التي قبله، وأعيد لفظ الجملة السالِفة ليبنَى عليه التعليل بقوله { لئلا يكون للناس عليكم حجةٌ }. وقوله { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } عطف على قوله { ومن حيث خرجت } الآية. والمقصد التعميم في هذا الحكم في السفر للمسلمين لئلا يتوهم تخصيصه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وحصل من تكرير مُعظم الكلمات تأكيد للحكم ليترتب عليه قوله { لئلا يكون للناس عليكم حجة }. وقد تكرر الأمر باستقبال النبي الكعبة ثلاث مرات، وتكرر الأمر باستقبال المسلمين الكعبةَ مرتين. وتكرر أنَّه الحقُّ ثلاث مرات، وتكرر تعميم الجهات ثلاث مرات، والقصد من ذلك كله التنويه بشأن استقبال الكعبة والتحذير من تطرق التساهل في ذلك تقريراً للحق في نفوس المسلمين، وزيادةً في الرد على المنكرين التأكيد، من زيادة { ومن حيثُ خرجتَ } ، ومن جُمَل معترضة، لزيادة التنويه بحكم الاستقبال وهي جملة وإنّ الذين أوتوا الكتاب ليعلمون الآيات، وجملة { وإنه للحق من ربك } وجملة { لئلا يكون للناس عليكم حجة } الآيات، وفيه إظهار أحَقية الكعبة بذلك لأن الذي يكون على الحق لا يزيده إنكار المنكرين إلاّ تصميماً، والتصميم يستدعي إعادة الكلام الدال على ما صمم عليه لأن الإعادة تدل على التحقُّق في معنى الكلام. وقد ذكر في خلال ذلك من بيان فوائد هذا التحويل وما حَفَّ به، ما يدفع قليل السآمة العارضةِ لسماع التكرار، فذُكر قوله { وإنه للحق من ربك وما الله بغافل } الخ، وذُكر قوله { لئلا يكون للناس } الخ. والضمير في { وإنه للحَق من ربك } راجع إلى مضمون الجملة وهو حكم التحويل فهو راجع إلى ما يؤخذ من المقام، فالضمير هنا كالضمير في قولهالذين آتيناهم الكتاب يعرفونه } البقرة 146. وقرأ الجمهور { عما تعملُون } بمثناة فوقية على الخطاب، وقرآه أبو عَمْرو بياء الغيبة. وقوله { لئلا يكون للناس عليكم حجة } علة لقوله { فولوا } الدالِ على طلب الفعل وامتثاله، أي شرعت لكم ذلك لندحض حجة الأمم عليكم، وشأن تعليل صيغ الطلب أن يكون التعليل للطلب باعتبار الإتيان بالفعل المطلوب.

السابقالتالي
2 3