الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ }

لما كان من شأن أهل الحق والحكمةِ أن يكونوا حريصين على صلاح أنفسهم وصلاح أمتهم كان من مكملات ذلك أن يحرِصوا على دوام الحق في الناس متَّبَعاً مشهوراً فكان من سننهم التوصية لمن يظنونهم خلفاً عنهم في الناس بأن لا يحيدوا عن طريق الحق ولا يفرطوا فيما حصل لهم منه، فإن حصوله بمجاهدة نفوس ومرور أزمان فكان لذلك أمراً نفيساً يجدر أن يحتفظ به. والإيصاء أمر أو نهي يتعلق بصلاح المخاطب خصوصاً أو عموماً، وفي فوته ضر، فالوصية أبلغ من مطلق أمر ونهي فلا تطلق إلا في حيث يخاف الفوات إِما بالنسبة للموصى ولذلك كثر الإيصاء عند توقع الموت كما سيأتي عند قوله تعالىأم كنتم شهداء إِذ حضر يعقوب الموت إِذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي } البقرة 133، وفي حديث العرباض «وعظنا رسول الله موعظة وَجِلَتْ منها القلوبُ وذَرَفَتْ منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مُوَدِّعٍ فأَوْصنا» الحديث، وإِما بالنسبة إلى الموصَى كالوصية عند السفر في " حديث معاذ حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لليَمن كان آخر ما أوصاني رسول الله حين وضعتُ رِجلي في الغَرْز أن قال حَسِّنْ خُلُقَك للناس، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أوصني قال لا تغضب " فوصية إبراهيم ويعقوب إِما عند الموت كما تشعر به الآية الآتيةإِذ حضر يعقوب الموت } البقرة 133 وإِما في مظان خشية الفوات. والضمير المجرور بالباء عائد على الملة أو على الكلمة أي قولهأسلمت لرب العالمين } البقرة 131 فإن كان بالملة فالمعنى أنه أوصى أن يلازموا ما كانوا عليه معه في حياته، وإن كان الثاني فالمعنى أنه أوصى بهذا الكلام الذي هو شعار جامع لمعاني ما في الملة. وبنو إبراهيم ثمانية إسماعيل وهو أكبر بنيه وأمه هاجر، وإسحاق وأمه سارة وهو ثاني بنيه، ومديان، ومدان، وزمران، ويقشان، وبشباق، وشوح، وهؤلاء أمهم قطورة التي تزوجها إبراهيم بعد موت سارة، وليس لغير إسماعيل وإسحاق خبر مفصل في التوراة سوى أن ظاهر التوراة أن مديان هو جد أمة مدين أصحاب الأيكة وأن موسى عليه السلام لما خرج خائفاً من مصر نزل أرض مديان وأن يثرون أو رعوئيل هو شعيب كان كاهن أهل مدين. وأما يعقوب فهو ابن إسحاق من زوجه رفقة الأرامية تزوجها سنة ست وثلاثين وثمانمائة وألف قبل المسيح في حياة جده إبراهيم فكان في زمن إبراهيم رجلاً ولقب بإسرائيل وهو جد جميع بني إسرائيل ومات يعقوب بأرض مصر سنة تسع وثمانين وتسعمائة وألف قبل المسيح ودفن بمغارة المكفلية بأرض كنعان بلد الخليل حيث دفن جده وأبوه عليهم السلام.

السابقالتالي
2