الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

عطف على قولهولا تسأل عن أصحاب الجحيم } البقرة 119 أو علىإنا أرسلناك } البقرة 119 وقد جاء هذا الكلام المؤيس من إيمانهم بعد أن قدم قبله التأنيس والتسلية على نحو مجيء العتاب بعد تقديم العفو في قوله تعالىعفا الله عنك لم أذنت لهم } التوبة 43 وهذا من كرامة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم. والنفي بلن مبالغة في التأييس لأنها لنفي المستقبل وتأبيده. والملة بكسر الميم الدين والشريعة وهي مجموع عقائد وأعمال يلتزمها طائفة من الناس يتفقون عليها وتكون جامعة لهم كطريقة يتبعونها، ويحتمل أنها مشتقة من أملَّ الكتاب فسميت الشريعة ملة لأن الرسول أو واضع الدين يعلمها للناس ويمللها عليهم كما سميت ديناً باعتبار قبول الأمة لها وطاعتهم وانقيادهم. ومعنى الغاية في { حتى تتبع ملتهم } الكناية عن اليأس من اتباع اليهود والنصارى لشريعة الإسلام يومئذ لأنهم إذا كانوا لا يرضون إلا باتباعه ملتهم فهم لا يتبعون ملته، ولما كان اتباع النبي ملتهم مستحيلاً كان رضاهم عنه كذلك على حدحتى يلج الجمل في سم الخياط } الأعراف 40 وقولهلا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد } الكافرون 2، 3 والتصريح بلا النافية بعد حرف العطف في قوله { ولا النصارى } للتنصيص على استقلالهم بالنفي وعدم الاقتناع باتباع حرف العطف لأنهم كانوا يظن بهم خلاف ذلك لإظهارهم شيئاً من المودة للمسلمين كما في قوله تعالىولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى } المائدة 82 وقد تضمنتْ هذه الآية أنهم لا يؤمنون بالنبي لأنه غير متبع ملتهم وأنهم لا يصدقون القرآن لأنه جاء بنسخ كتابيْهم. وقوله { قل إن هدي الله هو الهدى } أمر بالجواب عما تضمنه قوله { ولن ترضى } من خلاصة أقوال لهم يقتضي مضمونها أنهم لا يُرضيهم شيء مما يدعوهم النبي إليه إلا أن يتبع ملتهم وأنهم يقولون إن ملتهم هدى فلا ضير عليه إن اتبعها مثل قولهملن يدخل الجنة إلا من كان هُوداً أو نصارى } البقرة 111 وغير ذلك من التلون في الإعراض عن الدعوة ولذلك جيء في جوابهم بما هو الأسلوب في المجاوبة من فِعل القول بدون حرف العطف. ويجوز أن يكونوا قد قالوا ما تضمنته الآية من قوله { حتى تتبع ملتهم }. و { هدي الله } ما يقدره للشخص من التوفيق أي قل لهم لا أملك لكم هدى إلا أن يهديكم الله، فالقصر حقيقي. ويجوز أن يكون المراد بهُدى الله الذي أنزله إليَّ هو الهدى يعني أن القرآن هو الهدى إبطالاً لغرورهم بأنَّ ما هم عليه من الملة هو الهدى وأن ما خالفه ضلال. والمعنى أن القرآن هو الهدى وما أنتم عليه ليس من الهدى لأن أكثره من الباطل.

السابقالتالي
2 3