الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

عطف على قولهوقالوا اتخذ الله ولداً } البقرة 116 المعطوف على قولهوقالت اليهود ليست النصارى } البقرة 113. لمناسبة اشتراك المشركين واليهود والنصارى في الأقوال والعقائد الضالة إلا أنه قدم قول أهل الكتاب في الآية الماضية وهي { وقالت اليهود } لأنهم الذين ابتدأوا بذلك أيام مجادلتهم في تفاضل أديانهم ويومئذ لم يكن للمشركين ما يوجب الاشتغال بذلك إلى أن جاء الإسلام فقالوا مثل قول أهل الكتاب. وجمع الكل في { وقالوا اتخذ الله ولداً } إلا أنه لم يكن فريق من الثلاثة فيه مقتبساً من الآخر بل جميعه ناشىء من الغلو في تقديس الموجودات الفاضلة ومنشؤه سوء الفهم في العقيدة سواء كانت مأخوذة من كتاب كما تقدم في منشأ قول أهل الكتابين { اتخذ الله ولداً } أم مأخوذة من أقوال قادتهم كما قالت العرب الملائكة بنات الله. وقدم قول المشركين هنا لأن هذا القول أعلق بالمشركين إذ هو جديد فيهم وفاشٍ بينهم، فلما كانوا مخترعي هذا القول نسب إليهم، ثم نظر بهم الذين من قبلهم وهم اليهود والنصارى، إذ قالوا مثل ذلك لرسلهم. و { لولا } هنا حرف تحضيض قصد منه التعجيز والاعتذار عن عدم الإصغاء للرسول استكباراً بأن عدوا أنفسهم أحرياء بالرسالة وسماع كلام الله تعالى وهذا مبالغة في الجهالة لا يقولها أهل الكتاب الذين أثبتوا الرسالة والحاجة إلى الرسل. وقوله { أو تأتينا آية } أرادوا مطلق آية فالتنكير للنوعية وحينئذ فهو مكابرة وجحود لما جاءهم من الآيات وحسبك بأعظمها وهو القرآن وهذا هو الظاهر من التنكير وقد سألوا آيات مقترحاتوقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } الإسراء 90 الآيات وهم يحسبون أن الآيات هي عجائب الحوادث أو المخلوقات وما دروا أن الآية العلمية العقلية أوضح المعجزات لعمومها ودوامها وقد تحداهم الرسول بالقرآن فعجزوا عن معارضته وكفاهم بذلك آية لو كانوا أهل إنصاف. وقوله { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم } أي كمثل مقالتهم هذه قال الذين من قبلهم من الأمم مثل قولهم. والمراد بالذين من قبلهم اليهود والنصارى فقد قال اليهود لموسىلن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } البقرة 55 وسأل النصارى عيسىهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء } المائدة 112. وفي هذا الكلام تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بأن ما لقيه من قومه مثل ما لاقاه الرسل قبله ولذلك أردفت هذه الآية بقولهإنا أرسلناك بالحق } البقرة 119 الآية. ثم يجوز أن تكون جملة { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم } واقعة موقع الجواب لمقالة الذين لا يعلمون وهو جواب إجمالي اقتصر فيه على تنظير حالهم بحال من قبلهم فيكون ذلك التنظير كناية عن الإعراض عن جواب مقالهم وأنه لا يستأهل أن يجاب لأنهم ليسوا بمرتبة من يكلمهم الله وليست أفهامهم بأهل لإدراك ما في نزول القرآن من أعظم آية وتكون جملة { تشابهت قلوبهم } تقريراً أي تشابهت عقولهم في الأفن وسوء النظر، وتكون جملة { قد بينا الآيات لقوم يوقنون } تعليلاً للإعراض عن جوابهم بأنهم غير أهل للجواب لأن أهل الجواب هم القوم الذين يوقنون وقد بينت لهم آيات القرآن بما اشتملت عليه من الدلائل، وأما هؤلاء فليسوا أهلاً للجواب لأنهم ليسوا بقوم يوقنون بل ديدنهم المكابرة.

السابقالتالي
2