الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

عطف علىوقالت اليهود ليست النصارى على شيء } البقرة 113 باعتبار ما سبق ذلك من الآيات الدالة على أفانين أهل الكتاب في الجراءة وسوء المقالة أي إن قولهم هذا وما تقدمه ظلم ولا كظلم من منع مساجد الله وهذا استطرادٌ واقع معتَرضاً بين ذكر أحوال اليهود والنصارى لذكر مساوىء المشركين في سوء تلقيهم دعوة الإسلام الذي جاء لهديهم ونجاتهم. والآية نازلة في مشركي العرب كما في رواية عطاء عن ابن عباس وهو الذي يقتضيه قوله { أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين } الآية كما سيأتي وهي تشير إلى منع أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين من الدخول لمكة كما جاء في حديث سعد بن معاذ حين دخل مكة خفية وقال له أبو جهل ألا أراك تطوف بالبيت آمناً وقد أويتم الصباء، وتكرر ذلك في عام الحديبية. وقيل نزلت في بختنصر ملك أشور وغزوه بيت المقدس ثلاث غزوات أولاها في سنة 606 قبل المسيح زمن الملك يهوياقيم ملك اليهود سبى فيها جمعاً من شعب إسرائيل. والثانية بعد ثمان سنين سبى فيها رؤساء المملكة والملك يهواكين بن يهوياقيم ونهب المسجد المقدس من جميع نفائسه وكنوزه. والثالثة بعد عشر سنين في زمن الملك صدقيا فأسر الملك وسمل عينيه وأحرق المسجد الأقصى وجميع المدينة وسبى جميع بني إسرائيل وانقرضت بذلك مملكة يهوذا وذلك سنة 578 قبل المسيح وتسمى هذه الواقعة بالسبي الثالث فهو في كل ذلك قد منع مسجد بيت المقدس من أن يذكر فيه اسم الله وتسبب في خرابه. وقيل نزلت في غزو طيطس الروماني لأورشليم سنة 79 قبل المسيح فخرب بيت المقدس وأحرق التوراة وترك بيت المقدس خراباً إلى أن بناه المسلمون بعد فتح البلاد الشامية. وعلى هاتين الروايتين الأخيرتين لا تظهر مناسبة لذكرها عقب ما تقدم فلا ينبغي بناء التفسير عليهما. والوجه هو التعويل على الرواية الأولى وهي المأثورة عن ابن عباس فالمناسبة أنه بعد أن وفي أهل الكتاب حقهم من فضح نواياهم في دين الإسلام وأهله وبيان أن تلك شنشنة متأصلة فيهم مع كل من جاءهم بما يخالف هواهم وكان قد أشار إلى أن المشركين شابهوهم في ذلك عند قولهما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم } البقرة 105 عطف الكلام إلى بيان ما تفرع عن عدم ودادة المشركين نزول القرآن فبين أن ظلمهم في ذلك لم يبلغه أحد ممن قبلهم إذ منعوا مساجد الله وسدوا طريق الهدى وحالوا بين الناس وبين زيارة المسجد الحرام الذي هو فخرهم وسبب مكانتهم وليس هذا شأن طالب صلاح الخلق بل هذا شأن الحاسد المغتاظ.

السابقالتالي
2 3 4